إنَّ الكيان الصهيوني قائمٌ على استغلال الفرص التاريخية التي مُنحت له خاصةً ما بعد عام 1917م والتمهيد لبناء وطن قومي لهم في الأرض الفلسطينية بإيعازٍ من بريطانيا التي أفسحت المجال ما بعد عام 1948 للولايات المتحدة الأمريكية، التي قدَّمت ومازالت تقدم المزيد من الأرض لصالح القوة الاستيطانية الاستعمارية لتكن ممثلاً سياسيًا لها في المنطقة العربية، نتنياهو رئيس وزراء الاحتلال المنتخب حديثًا يدلل على أن مشروعَ الضم وتقديم الولايات المتحدة الضوء الأخضر بإدارة ترامب ما هو إلا فرصةً تاريخيةً يجب اغتنامها، والمتابع لسياسة نتنياهو الاستيطانية يستنتجُ بأنه يسعى منذ عودته لترأس الحكومة الإسرائيلية عام 2009 بأنه يريد حسم أجزاء من الضفة المحتلة والأغوار خاصةً المحاذية للحدود الأردنية، ضمن حربه الشاملة التي بدأها الكيان منذ عام 1948 ولم يستطع إلى هذه اللحظة من الوصول للحسم؛ لعدم قدرته على تهجير شعبٍ ارتبط بأرضه ارتباطًا وثيقًا بتوقيع دماء الألوف من الشهداء، ومن ناحيةٍ أخرى لم يعد قادرًا على ترتيب بيته الداخلي والفجوة الواضحة في نظامه السياسي، خاصةً وأن هناك العديد من السياسيين الصهاينة وسياسيين دوليين يحذرون من خطوةِ الضمِّ؛ بداعي الثمن الباهض الذي سيدفعه الكيان في مغامرته في الضمّ.
لم يتوقف الكيان الصهيوني في المضيِّ قُدمًا في تطبيق مشروع الضمِّ لأجزاء من الضفة والأغوار بالرغم من ترهل سياسته الداخلية التي كُشفت عيوبها خلال العامين الماضيين، من خلال الوصول لانتخابات ثالثة لحسم الحكومةِ الإسرائيلية، وسياساته المتبعة على الصعيدين الإقليمي والدولي، إلا أن الكيان القائم على الفوارق التاريخية المكتوبة بالمئات من الجرائم بحق الشعب الأصلي في أرضه، أخذ الضوء الأخضر من الكنيست الصهيوني في السابع عشر من آيار لعام 2020، لتسجيل فارقٍ تاريخٍ جديد في تاريخ الدولة الصهيونية، ولعلَّ نتنياهو يريد أن يكتب الفصل الجديد في تاريخ الكيان الصهيوني بالرغم من ملفات الفساد التي يٌحاكم عليها؛ لتكون طوق نجاةٍ له وهذا ما أستبعد تحقيقه، ويتمثل الفصل الجديد في تطبيق القانون والسيادة الإسرائيلية كاملة على الضفة والأغوار، وهذا يعني أنَّ كلَّ مستوطنة جاثمة على الأرض الفلسطينية تمثل هذه السيادة، وأن كلَّ مستوطن يسير في مركبته في الشوارع الالتفافية الاستيطانية، يعتبر مواطنًا إسرائيليا حسب منطق تطبيق السيادة على الأرض للقوة الاستيطانية المستعمرة لها، هذه المراسمُ التي قد تصبح فعلًا مع أول يومٍ في شهر تمّوز تتم بمباركة ترامب، التي يترأس الإدارة الأمريكية بحلّتها الجديدة المحافظةِ على تقديمها للهدايا بشكلٍ متواصل للكيان.
ومما يثير الشكوك والتخوف في الشارع الفلسطيني، على الصعيديّن السياسي والشعبي، أن الكيان أقام أكثر من مئة مستوطنة في الضفة يسكنها 400 ألف مستوطن، وخلال العقد الأخير ارتفعت نسبة أعداد المستوطنين في الضفة نحو 50 بالمئة في عهد نتنياهو فقط، مما يبين حقيقة الاستيطان الذي يُعد ورقةً رابحةً لأيِّ حزبٍ صهيوني يريد أن يحظى بالحكومة الصهيونية، وهذه الزيادة وإن كانت غير شرعية بموجب القانون الدولي، الذي أدان التوسع الاستيطاني؛ إلا أن هذه الإدانة لم تُترجم حرفيًا على أرض الواقع، مما يوعز أن الكيان سيمضي في تحقيق مشروعه بضمِّ الضفة والأغوار للوصول خلال الأعوام القادمة لمليون مستوطن يقطنون في مستوطنات الضفة المحتلة، وقد أعدّت الحكومة الصهيونية الخرائط الجغرافية بتوقيعٍ أمريكي للبدء بتنفيذ مشروع الضم، وقد أخذ الكيان الضفة والقدس المحتلتين نقطة ارتكاز لصفقة القرن التي مهدت الطريق للمشروع الصهيوني للعام 2020، ولعلَّ الذي يُعطي المشروع حقيقةً نسبيةً إن الكيان تذرَّع بتحقيق الأمن كهدفٍ استراتيجيٍ للإسراع في تطبيقه، ومواصلة تطبيق المشاريع التهويدية للأرض الفلسطينية.
كيف أعدّت القيادة الفلسطينية والفصائل مشروعها لمجابهة الضمّ؟
إن الرئاسة الفلسطينية في حِلٍّ من الاتفاقيات مع الكيان والإدارة الأمريكية بما فيها الأمن، جاء هذا الإعلان بعد عزمِ بنيامين نتنياهو تنفيذ مشروع الضمِّ والتوسع على حساب الأراضي الفلسطينية في منطقة الأغوار والضفة المحتلتين، وأبرز ما جاء في ذلك عمليًا وقف التنسيق الأمني، وهذا ما جعل عناصر الأمن الفلسطينية لا يسيرون ببزاتهم العسكرية في مناطق المصنفة ج، حسب اتفاقية أوسلو عام 1993، وهذا مؤشرٌ يجب أن تقف عنده السلطة الفلسطينية، ووضحِ التحليلات والنتائج لما بعد فكِّ الارتباط مع الكيان، بجانب أن مشروعَ الضمِّ يعني تدمير سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية بشكلٍ كامل، بحيث لن تقم للسلطة قائمةً؛ إن لم تكن هناك خطواتٍ عملية لمجابهة الضمّ، كون الكيان يسعى لتغيير الملامح الجغرافية الفلسطينية لصالح جغرافيته السياسية الاستيطانية، التي قامت على أساس عددٍ محدودٍ من المستوطنات باتت تشكل 50 بالمئة من أراضي الضفة وستزداد هذه النسبة لتصل إلى 80 بالمئة، حال تطبيق مشروع الضم.
وباتت عمليةُ السلام والعمل على استمراريتها من عدمه مرهونةً بواقع تطبيق مشروع الضمّ للضفة والأغوار، وقد نشهد توقفًا حقيقيًا للمفاوضات بعد 25 سنةٍ من عبثيتها لم تحقق أي تقدمٍ يُذكر على صعيد القضية الفلسطينية، إلا أن إيعاز صائب عريقات مسؤول ملف المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية بوقف المفاوضات وحلِّ السلطة بشكلٍ عملي، ليحمل الكيانُ مسؤولياته كنظامٍ استيطانيٍ استعماري مفروضٍ على الأرض، وبالرغم من عدم جدوى عملية السلام في الوقت الراهن، إلا أن ذلك يتطلب جهدًا حقيقيًا بوقف كلِّ أشكال العلاقات الموقَّعة، دون العودة إليها، وإن كان ذلك يحتاج إلى ورقةٍ يتم العمل بها، بدلًا من طاولة المفاوضات مع الكيان، أن تَخرجَ ورقةً بجهودٍ فلسطينية فلسطينية وعربية دولية، لمجابهة خطط الضم، مع تفعيل طرح الفصائل، بأن الضم يساوي إعلان الحرب، وهذا من شأنه أن يُكوِّنَ خطةً عملية بتوافقٍ فصائلي على أسس سياسية وشعبية، لمنع زحفِ الاستيطان لمناطق الضفة والأغوار، واستغلال تخوفات العديد من السياسيين الصهاينة ممن عايشوا تجارب كثيرة، بأن الشروع بتطبيق الضمِّ يعني وضع الكيان نفسه بنفسه على مقصلةِ نهايته في الضفة، ولربما نهايته كقوة استيطانية استعمارية.
وهنا يجب الإدراك بشكلٍ واقعي، أن الكيان الصهيوني قائم على أسس استيطانية استعمارية تفي بمحوِ تاريخ الشعب الأصلي كما في نظريةِ باتريك وولف القائمة على المحو والاستئصال للأمم الأصلية، والعقيدة الصهيونية في جوهرها سلب الأرض من أصحابها لإقامة الدولة الصهيونية بطابعها اليهودي، وإن الجهد المبذول دوليًا وعربيًا في تحويل الكيان لسلطةِ احتلال، يعني تهذيب مصطلح الاستيطان الاستعماري في جوهره ومنحه شرعيةً في إقامةٍ أبديةٍ على الأرض، ومشروع الضمّ اليوم يحتاج جهدًا حقيقيًا في دعم صلابة الشعب وبرنامج سياسي فصائلي بموافقة كلّ مكنونات الشعب الفلسطيني، لحماية الأرض من السلب والنهب، اليوم لا مجال للخلاف على حدّة الصراع، وتفرد كل قوة في أخذ القرار الصائب، إن الاجتماع على خيار موحد يعني تفعيل ورقة الرفض للمشروع بشكلٍ أسرع، وكلُّ ورقةٍ في مرحلتها المناسبة تُستخدم.