شبكة قدس الإخبارية

ترميم المنازل القديمة بغزة.. هكذا يدافع الفلسطينيون عن تاريخهم وأرضهم

1kxfgz0dqzn6
دعاء شاهين

غزة – خاص قدس الإخبارية: بين أزقة مدينة غزة القديمة في مبنى أثري يعود للعهد العثماني ما قبل 400 عام الذي يمثل شاهد عيان لتعاقب الحضارات على هذه البقعة الجغرافية كان يعمل المرمم طارق رجب بحذر وعناية شديدتين في قص بعض الأحجار الأثرية لإعادة تشيدها واستخدامها كأقواس رخامية بصلابتها ومتانتها.

يمتد المبني التاريخي على مساحة 400 متر يعمل رجب برفقة عدد من زملائه على إعادة إحياءه وبنائه من جديد ليظل معلما أثريا للحاضر والمستقبل، ضمن جهود فردية هدفها الحفاظ على التاريخ الفلسطيني كرد على جميع محاولات الطمس والتشويه الذي تطيل بين الحين والآخر التاريخ الفلسطيني وتشكك أحقية الفلسطيني بأرضه وفق مزاعم إسرائيلية.

يقول رجب لـ "شبكة قدس" إن جميع هذه الجهود تبذل بغرض وطني بحتة فلا يعقل أن تبقى أثارنا مهجورة ومهملة تأكلها عوامل البيئة ويجير عليها الإنسان، نحن ندرك جيدا أهمية هذه المباني من ناحية تاريخية، وكل جزء في هذا المبني له قصة ورواية تدل على تعاقب الحضارات على مدينة غزة كالمماليك، البيزنطيين، العثمانيين.

ويصف الشاب عملية الترميم بـ "العملية الجراحية الدقيقة" لسبب أن جميع أجزاء المبني تحتاج لعناية فائقة جدا في التعامل معها سواء كان السقوف، الأعمدة، الأحجار الرخامية، البلاط، الجدران وكل جزء يعتمد على الآخر حيث لو تم تعطيل أحدهما قد ينهي عملية الترميم بأكملها فلا يوجد بدائل لها".

 وقد تستغرق عملية ترميم المباني الأثرية القديمة في غزة القديمة وقتا طويلا ممكن أن يمتد لعدة أشهر كون عملية التشييد تحتاج لجهود مالية باهظة وبدينة ودراسية أيضا، نظرا لكبر مساحات المباني ولاتي تمتد ما بين 400 إلى 700 متر وفق ما ذكره القائمون على الترميم.

وفي مبني آخر في ذات الزقاق بمجرد عبورك له تشعر وكأنك انفصلت عن واقعك مخترقا عالما جديدا لكنه يعود لما قبل مئات السنين كان ينشغل مجموعة من الشبان في تعقيم ورش باحات المبني والتي كانت تحمل قديما اسم "الإيوان" للقضاء على القوارض والحشرات والجراثيم التي تغزو المبني كخطوات أولية قبل تشييده.

يقول أدهم طوطح وهو ضمن العاملين في التعقيم والترميم: "عملية التعقيم ليست سهلة نعمل بخوف شديد تحسبا لتعرضنا لأي خطر أو لدغة من إحدى الحشرات السامة كالعقرب مثلا، وبعض الزواحف شاهدنا مرارا ثعابين ونجونا منها بأعجوبة، فالعمل في هذا المجال خطير وليس هيّن، قمنا بالبحث والمطالعة قبل البدء بأي خطوة في الترميم فما نقوم به هو تشييد للتاريخ وليس للأحجار فقط".

وأشار في حديثه إلى أن المبني الذي سيعملون على تشيده تزيد مساحته عن 600 متر كان مكون من عدة طوابق وظل شاهدا على زمنين المملوكي والعثماني وقد استدل على ذلك من خلال نوعية الأحجار المستخدمة في بناءه، كذلك النقوش المرسومة على جدرانه والأقواس شكله القائم، كذلك القطع الأثرية المعدنية الموجودة في المبني يتم بها الاستدلال على الحقبة الزمنية والجذور التاريخية.

وأكد طوطح على أنه لا يجب الاستهانة بأي قطعة حجرية أو معدنية أثرية في المكان مهما كانت صغيرة لأن لها دلالات تاريخية متجذرة.

ووفق ما بينه القائمون على الترميم حتى الآن تم ترميم قرابة ستة مباني أثرية تاريخية ويعمل فيها ما بين 5 الى 30 عاملا تتنوع مهامهم ما بين الحفر، التنقيب، الترميم، التعقيم، البناء.

من جانبه، أوضح المشرف على عملية الترميم والخبير في علوم الآثار د. سيلمان هاشم أنه من الضروري إعادة تشيد جميع المباني الأثرية والتاريخية في قطاع غزة فهي أكبر دليل على المزاعم الاسرائيلية والعربية نمها التي باتت تنشر مؤخرا عبر الإعلام ما ينفي أحقية الفلسطيني بأرضه وأنه ليس بصاحب الأرض، كذلك تمثل واجهة سياحية مهمة.

ونبه إلى أنه من خلال عملية الترميم لا يتم إعادة البناء فقط بل؛ يستدل على غزة كانت نهبط للغزاة وتعاقبت عليها الحضارات كونها أرض ذات أهمية جغرافية وتاريخية ومناخية.

وتبدأ عملية الترميم كما بين سلميان قبل القيام بأي خطوة من التشييد يتم معاينة المكان هل يصلح لإعادة الحياة له أو لإزالته، لكن معظم المباني التي تم معاينتها وجد أنها ما زالت تتنفس وبحاجة لإنعاشها من جديد.

ومن ثم يتم تقييمها من حيث الآلية التي ستتبع في ترميمها، والمواد الخام التي تصلح لاستخدامها في إعادة البناء، معتمدين على أسس معينة في ذلك وهي ترميم الجزء ثم الكل وليس العكس مع ترك فترة زمنية بين كل فترة ترميم والأخرى تصل ليومين وأكثر، تحسبا لأي ضرر كانهياره مثلا.

 علاوة على ذلك يقوم الفريق المرمم كبداية تعقيم وتنظيف المبني جيدا من أي قوارض وحشرات تعقيمه بمواد خاصة، بحذر تام منعا لانتقال أي عدوى وأمراض جلدية، فيما وذكر سليمان أنه من خلال طبيعة الأحجار المستخدمة في البناء القديم يتم الاستدلال على نوعية الطبقة الاجتماعية التي كان يعيشها أهل المنزل وهذه علامة لها تداعيات تاريخية أيضا.