يثير النقاش حول المسلسلات التي تعرض على شاشة «إم بي سي» الكثير من النقاش حول محتوى هذه المسلسلات والمغالطات التاريخية وتزوير الحقائق وتشويهها التي ترد فيها وما تقدمه في تفاصيلها وفي مجملها من خدمة للمشروع الاستعماري في فلسطين وتبرير لجرائمه بحق شعب فلسطين، وهو نقاش يشير إلى جملة من الملاحظات تتعلق بجوهر الصراع وضرورة حمايته حتى لا يغيب عن الطاولة، وحتى لا يصير التطبيع مع دولة الاحتلال مقصداً محموداً وهدفاً يُسعى إليه.
وربما أن تهافت البعض للتطبيع وسعيه وراء التهليل والتصفيق وربما نيل الجوائز خاصة العالمية جراء تقديم وجهة نظر لا يمكن توصيفها إلا بأنها طعنة لدماء الشهداء ولتضحيات الجيوش والمواطنين العرب في سبيل قضيتهم الأولى، كل ذلك يجب أن يكون تحذيراً لنا بإعادة ترتيب الجبهة الثقافية العربية وتمتينها بما يكفل حماية الرواية القومية العربية التي في قلبها الرواية الفلسطينية عن الوجود على هذه الأرض، الوجود الذي سبق بآلاف السنين كل المشاريع التصفوية التي أرادت سرقة البلاد وتهويدها.
كل هذا من أجل أن يكون ما حدث هفوة وسابقة وليس مقدمة للمزيد من الانزلاقات والتراجع في مناعة الثقافة العربية، ولا يصل بنا الأمر إلى مديح شاعر في المستقبل يتغنى بقتل أطفالنا مثلاً تحت بند الحريات الثقافية. الخطر يجب أن يظل حاضراً حتى ننجح في كبح جماح المزيد من هذه الأعمال التي لا تسيء لفلسطين بل للامة برمتها.
أولاً: يجب إعادة الاعتبار لحضور الرواية الفلسطينية في الدراما العربية. وهذا ليس مهماً بحد ذاته فقط بل بما يمثله من التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة للمواطنين العرب. والرواية الفلسطينية ليست مجرد تفاصيل الصراع بل المواقف حول الصراع. فالشعب العربي في فلسطين تم تهجيره وتقتيله وسرقة بلاده وتحويله إلى لاجئين ما زالوا يحلمون بعودتهم إلى بلادهم. لا أحد يطلب أن تتحول الدراما إلى دعاية وشعارات ولكن على الأقل أن تكون وفية لحكاية الشعب العربي الذي تخاطبه عن نفسه وعن الصراع الأساسي الذي يستهدف وجوده واستقرار بلدانه.
للنظر مثلاً كيف تحضر الرواية حول المحرقة في انتاجات هوليود تقريباً كل عام، حتى يصعب تخيل موسم سينمائي وفي الكثير من المرات منافسات الأوسكار وبقية المسابقات الأخرى دون وجود فيلم أو مسلسل يتعرض لحياة اليهود في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية.
ويتم التذكير دائماً، كما يمكن للمتابع حتى في أوساطنا العربية أن يستخلص، بأن ثمة دينا لليهود في رقاب أوروبا يجب عليها أن تكفر عنه.
وربما أن المقصد الأساسي لهذه الرواية دائماً، مع تسليط الضوء على السياقات الإنسانية والمشاعر دون خطابة وبلاغة، التذكير بضرورة التعاطف مع القضية.
والتعاطف مع عذابات اليهود وغير اليهود ضحايا نظام هتلر النازي، لا يعنى التعاطف مع جرائم العصابات الصهيونية في فلسطين ولا الجرائم التي تتم فيها منذ نكبة فلسطين.
ثمة حاجة لاعادة هذا الاعتبار من خلال تكثيف هذا الحضور وتأكيد المقولات الأساسية. مرة أخرى القصة ليست قصة مسلسل أو دراما بحتة بل هي قصة حقوق وحكايات عن آلام وعذابات كما هي تمرير لمشاريع وروايات مضادة تصيب بالوهن ليس الحالة الفلسطينية بل الحالة العربية. وهذا يجب أن يصار إلى تعميمه دولياً، بمعنى أن الرواية الفلسطينية والرواية العربية عن الصراع غائبة بشكل كامل عن الفن العالمي بل هناك هيمنة للرواية المضادة. وبقدر ما نحن بحاجة لجهود رسمية في ذلك فإن ثمة حاجة لجهود مختلفة خاصة من رأس المال العربي والشركات العربية التي يجب أن يكون تطلعها دوليا. والأمر في هذه الحالة يجب أن لا يقتصر على الدراما فثمة غياب للثقافة العربية دولياً. صحيح أن هناك ترجمات لروايات عربية وللشعر العربي ولكن حقيقة فإن المكانة الحقيقية لجودة الشعر العربي والرواية العربية لا تأخذ حقها في العالم. فالإبداع العربي المتعدد والموهوب لم يصل إلا لجائزة نوبل واحدة. صحيح أن ثمة تسيسا عاليا في منح الجوائز العالمية ولكن يجب أن يتم العمل عربياً على ترجمة وتعميم النتاجات الأدبية العربية بما يكفل فرضها على الذائقة العالمية.
فلسطينياً فإن ما حدث يجب أن يدفعنا للمزيد من العمل من أجل تصليب الجبهة الثقافية العربية على صعيد الاتحادات والهيئات الرسمية من اجل، مرة أخرى، أن يظل ما حدث خطأ يجب الاعتذار والتراجع عنه وليس سابقة ستجد لها توابع جديدة في المستقبل. إن أساس الصراع هو جوهر الحكاية الفلسطينية التي تتمثل بتهجير شعبنا بالقتل والمذابح من أرضه وأن هذا الظلم التاريخي لا يمكن تصويبه إلا بإعادة الحكاية إلى أصلها. إن الكتاب من روائيين وشعراء وفنانين بكافة اجناس نتاجاتهم هم حراس هذه الحكاية، وكم مؤلم حين لا يتراجع الفنان عن دوره ويقبل أن يعيد كالببغاء روايات الخصوم وأكاذيبهم. وهو ما يحدث في تلك المسلسلات.
إن تبني رواية العدو خطر والأخطر أن يتحول الفن العربي إلى مروج لهذه الرواية. الرواية التي تبيح لهم قتلنا وتقول إن ما فعلوه كان صحيحاً وأن شهداءنا كانوا مخطئين حين قاتلوا من أجل حماية الأطفال وكبار السن ومن أجل صون الوجود العربي، لأنه حين تضيع القدس تضيع حلب كما قال المطران كبوتشي في المسلسل الجميل «حارس القدس»، ووقتها لن يفيد شيء. إن أخطر ما في الأمر بعد كل ذلك أن يصبح الغضب والنقد لما يجري وكأنه جزء من نقاش طبيعي، وهو ليس كذلك بل هو تصويب لجريمة ثقافية تم اقترافها.
وفلسطينياً، ثمة الكثير الذي يجب فعله من أجل كل ما سبق.
المصدر: صحيفة الأيام