يعمد جيش العدوّ الإسرائيليّ بصورة متواصلة إلى تطوير قدراته القتاليّة في مواجهة ما يُسميه التحديات العسكرية أمام "دولة إسرائيل"، فما إن يتولى رئيس هيئة أركان قيادة الجيش منصبه، حتى يشرع في وضع خطة تدريبية بموازنة مالية ضخمة، تستخلص العبر من المواجهات السابقة، بما يسمح لها بتحقيق انتصارات، على حدّ وصف العدوّ.
فعندما تولى أيزنكوت قيادة أركان جيش العدو الصهيوني في بداية العام 2015، أي بعد عدوان العام 2014 على قطاع غزة، وما قدَّمته المقاومة من نموذج مشرّف في المواجهة مع جيش العدو، أعدَّ خطَّته التطويرية باسم "جدعون" لمواجهة قوى المقاومة، بكلفة مالية وصلت إلى ما يقارب 9 مليارات دولار، وكانت ترتكز على الحرب القصيرة والحاسمة، وإطالة أمد حدوث المواجهة الواسعة، والاعتماد على المعركة المحدودة بين الحروب.
وقد أدخل إلى العقيدة القتالية للجيش الإسرائيلي مبدأ الدفاع، إلى جانب الردع والإنذار والحسم، وهي من استخلاصات العبر بعد معركتي 2006 مع حزب الله في لبنان و2014 مع قوى المقاومة في غزة، وعلى رأسها كتائب القسام؛ الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس.
وما إن أنهى أيزنكوت قيادة الأركان، وتولّى أفيف كوخافي قيادة جيش العدو، حتى شرع في إعداد خطَّة تتلاءم والتحديات العسكرية التي تواجهها "إسرائيل"، وتستند بصورة أساسية إلى الحروب الجديدة غير المتجانسة بين جيش نظامي كالجيش الإسرائيلي، ومنظمات عسكرية أقلّ من جيش (شبه نظامية)، مثل حزب الله وحركة حماس.
أطلق كوخافي على خطَّته اسم "تنوفا"، بمعنى "زخم" و"اندفاعية"، وتُقدّر كلفة تنفيذها بما يقارب 20 مليار دولار أميركي، وهي تعتمد بشكل رئيسي على قتل 50% من قوات الجيوش الإرهاربيَّة - بحسب وصفه - أي حزب الله وحماس، والاعتماد على كثافة نارية عالية جداً تؤدي إلى مئات القتلى في اليوم الواحد، واستهداف كلّ ما يخدم بنية المقاومة، كاستهداف محطَّة توليد الكهرباء في لبنان، والبنية التحية للدولة اللبنانية، باعتبارها تساهم في خدمة قوات حزب الله.
قد لا يسمح المقام هنا بالحديث عن تفاصيل الخطة الإسرائيلية، ولكنَّها في المجمل تعمل على تعزيز حرب السايبر والحرب الإلكترونية، وسلاح البر الصهيوني، ومضاعفة سلاح الطيران إلى الضعفين، إضافةً إلى بناء آلاف الطائرات الصغيرة (الانتحارية)، وصواريخ متقدّمة للوحدات النظامية، كذلك إغلاق لواءين من مدرّعات "مركفاة 2"، وتأسيس وحدة بريَّة من دون معدات ثقيلة، وإقامة وحدتي طائرات مقاتلة جديدة، وإغلاق وحدات قديمة. كما أنَّ الخطَّة أولت أهميّة بالغة للخطر الإيراني الوجوديّ بالنسبة إلى "دولة" العدو الإسرائيلي، إلى جانب الجبهة الشمالية مع حزب الله والجنوبية مع حركة حماس.
وأمام التهديدات المتمثلة في سعي إيران إلى تطوير قدراتها النووية، وتحسين دقة صواريخها الباليستية، وبناء قواعد عسكرية في سوريا، وتعزيز تواجدها في العراق، إضافةً إلى دعم حزب الله وحماس، تتحدَّث خطّة كوخافي عن تعيين لواء مهمّته الوحيدة القضية الإيرانية، تحت اسم "الاسراتيجيّة وإيران"، وتمَّ تعيين تال كلمان رئيساً له، كذلك إنشاء قيادة منطقة عسكرية جديدة للتعامل مع السّاحة الإيرانيّة تتبع للواء أيضاً، على الرغم من وجود قيادة إقليميّة اسمها "العمق" بقيادة جنرالٍ، كانت تركّز على إيران، ولكن تمت إضافة ملفّ جديد لإيران.
خطّة كوخافي الَّتي تحتاج إلى 5 سنوات لإنجازها، سواء على صعيد الاحتياجات البشرية- التي قد تواجه تحديات كبيرة في هذا الجانب- أو تطوير الأسلحة القتاليّة أو السيبيريّة، لن تنجح في النهاية، في تقديري، في كبح جماح المقاومة، كما أنَّها تحمل بعض الرؤى غير المنطقية، من خلال العمل على القضاء على "نصف قوات العدوّ" - بحسب وصفه - وهو ما لم ينجح فيه أسلافه خلال المواجهات المتعدّدة.
الخطط الصّهيونيّة المتواصلة تؤكّد ما تشكّله المقاومة من حالة استنزاف للمقدرات الصّهيونيّة على الصعيد البشريّ والمادي. وقد أثبتت المواجهة المباشرة قدرة المقاتلين المقاومين على مواجهة جيش العدوّ، على الرغم من العمل الدؤوب على استخلاص العبر، وما أداء المقاومة في العام 2006 والعام 2014، من خلال التصدّي للقوات البريّة، إلا خير دليل على أنَّ أرض الميدان لها لغة مختلفة.