يُقال في فن التفاوض عليك أن تطلب ضعف الشيء الذي تريده وانتظر ردة فعل الطرف المقابل، فإما أن يكون ضعيفاً فيعطيك ما أردت وتكسب أنت الضعف، وإما أن يطالبك بالتنازل وحينها ستتظاهر بالمرونة حتى تحصل على ما تريد.
لربما كثرة الانشغالات أعاقت مفاوضينا عن تعلم تلك القاعدة فوضعوا كل بيضهم في سلةٍ واحدة وأظهروا مرونة غير مسبوقة في التنازل عن الأرض حتى طمع الطرف المقابل بهم وبأرضهم، ولعل يوماً سيأتي يفاوضهم على ما هو أكبر من ذلك إن استمروا بسلسلة "المرونة" هذه.
يعرض مسلسل التغريبة الفلسطينية ردود الفعل لحظة إعلان "قرار التقسيم" عام 1947 وفي حوار رباعي بين "أبو صالح، مسعود، أبو أكرم، المحامي" قال الأخير "المحامي" كلمة جوهرية في تحليله لإمكانية تحول قرار التقسيم لواقع على الأرض من عدمه.
قال "في إشي واحد بنعرفه سواء فشل قرار التقسيم أو نجح، الحسم هون، الحرب نتيجة حتمية مش ممكن تجنبها وكل شي بعتمد على الإعداد المسبق قبل ما تفاجئنا الأحداث".
هذه العبارة لا تنفضّْ بأي حالٍ عن قواعد علم التفاوض المعتمدة على رد فعل الطرف الثاني لحظة سماعه لعروض ومطالب الطرف الأول، ردة الفعل هذه التي تحدد سير العملية التفاوضية ونتائجها هي ذاتها التي يقولها المحامي عن مدى أثر ردة الفعل الفلسطينية على تطبيق قرار التقسيم "صفقة القرن" من عدمه وكلما كانت ردة الفعل أقل سخونةً كلما ازدادت الأطماع في ضعفك وقلة حيلتك.
ردة الفعل هذه التي قرر المحامي أنها العامل الرئيسي والفاعل الأول في تحديد المصير ربطها بالحرب، بالسلاح الذي يفرض الوقائع على الأرض، باليهودي الذي يكره الموت ويكره التضحية، لكن ليت ذاك "المحامي" يعلم أننا قتلنا أسود بلادنا فما بتنا نستطيع أن نفرض وقائع على "كلاب" أعدائنا ولربما سنعيش لزمانٍ تصبح قطط الأعداء هي التي تفرض علينا الوقائع وليس كلابها فقط.
قالت العربُ يوماً : إذا أردت قتل الأرنب فاحمل السلاح الذي يُردي النمر ...
بطريقةٍ أخرى، عندما كنا نريد القدس كلها فاوضونا على القدس الشرقية، ولما رأوا سلاستنا وإمكانية تنازلنا وتمسكنا بالقدس الشرقية قالوا لكم 4 كم مربع فقط منها، ولعل يوماً تعيساً سيلحق بنا تصبح هذه الـ4 كم مربع مقدسة ! ثم ما يلبث هذا الوحش الإحتلالي الكاسر أن يطالبنا بها كلها فنفاوضه على ما هو دون ذلك هذا إن بقي متسعاً في القاع لما هو دُون.
عفواً، دعوكم من كل هذا الهراء الذي قرأتموه، فمسعود كان قد سبق المحامي وقال: مصيرنا ومصير بلادنا غيرنا يلي بيقرره، ويلي بنجهله أكثر من يلي يبنعرفه.
دعني أزيدك من الشعر بيت عزيزي مسعود: غيرنا ما عاد يقرر مصيرنا ومصير بلادنا فقط، بل أصبح يقرر ردود فعل قيادتنا ويحدد لها سقف غضبها، هذا إن كانت ما زالت تعرف للغضبِ طريقاً.