لم تُخف “إسرائيل” فرحتها الكبيرة باغتيال قائد فيلق القدس، قائد الحروب الإيرانية في المنطقة قاسم سليماني، بل لربما أنّ تل أبيب كانت على علم مسبق بالحدث، وما التركيز الكبير من قبل ساستها بأنّنا أمام أحداث كبيرة في الجبهة الشمالية، يُشير إلى يدٍ خفيةٍ لها.
بكل الأحوال باتت الأحداث في المنطقة ذات ارتدادات واسعة، حيث أنّ التداخل الكبير في الساحات الشرق أوسطية، والتوغل الإيراني في أكثر من ساحة، وخريطة التحالفات، يجعل من أي فعل يخضع لاحتماليات متنوعة، وارتدادٍ في ساحة بعينها أو في أكثر.
“إسرائيل” التي تعيش حالة أمنية خاصة منذ 70 عاماً، كونها دولة احتلال غاصب، باتت تتراكم في وجها التحديات ومن أكثر من جبهة، ففي الوقت الذي كانت تحلم فيه، بأن تكون جزءاً من فسيفساء المنطقة، دون حروب أو صراعات، باتت تجد نفسها في كل عقدٍ مع تحديات أمنية جديدة، تتراكم وتتنوع في ظل توزعها جغرافياً على أكثر من ساحة.
الخشية الإسرائيلية الأولى تكمن في أن يكون الاغتيال ذي ارتداد على الساحة المُحتلة فقط، بمعنى أن يُبادر حزب الله، أو لربما جزء من المقاومة في غزة، بافتعال تصعيد يقود إلى حرب، الأمر الذي سيجعل التركيز الإيراني بدعم هذا الأمر كنوعٍ من الاكتفاء بالرد، الأمر الذي سيولد حالة من الشعور الإسرائيلي باستمرار تحمل أي نتيجة لفعل ضد أعداءها في المنطقة.
من الناحية الثانية، تتخوف “إسرائيل” من اقدام إيران باستهداف “إسرائيل” من خلال الساحة السورية ولربما العراقية، على قاعدة أن الرد الأهم على اغتيال سليماني يجب أن يكون، ضد الكيان الذي بات لإيران مساحة واسعة من الثأر معه، في ظل تكرار استهدافاته لإيران وقياداتها في الساحة السورية تحديداً.
فيما تنصب الخشية الإسرائيلية الثالثة، من أن تُترك وحدها في الميدان، بمعنى أن كرة اللهب المشتعلة تتدحرج لتكتوي بها “إسرائيل” فقط، وأن تبتعد الولايات المتحدة في حال وجود تصعيد من التدخل سواءً العسكري، أو لربما بالضغط على كافة الأطراف وضبط إيقاع الأحداث.
والأهم من وجهة نظر الكيان، ماذا لو حدثت حرب واسعة وشاملة، تُشارك فيها أطراف إقليمية وعالمية، ماذا سيكون موقف الكيان وقتها، وهل سيستطيع المواجهة على أكثر من جبهة؟ وهل سيستطيع تأمين نفسه لربما من ضربات قوية ووقع مُكلف؟، في ظل حقيقة أنّ هذا الكيان نفسه لم يستطع تخطي عقبة المقاومة في قطاع غزة وحدها.
رغم هذه الخشية الإسرائيلية الكبيرة، فإنّ القناعة الإسرائيلية تميل باتجاه أن لا تصعيد كبير في المنطقة، في ظل حاجة إيران الملحة باستثمار الأوضاع في الساحة السورية والعراقية لصالحها، وهذا يتطلب منها مرحلياً على الأقل أن تبتلع غالبية ما تتلقاه من ضربات، تُرجح “إسرائيل” أنّ إيران لا بدّ ستردها في يوم من الأيام، إن لم يتم تقليم اظافرها أولاً بأول.
هذا السيناريو المرجح إسرائيليا، ليس بالضرورة أن يكون هو الخط الذي ستسير عليه عجلة الأحداث القادمة، فرغم الحرص من كلّ الأطراف على ضبط إيقاع الأحداث في المنطقة، لكنّ لا أحد يستطيع أن يضمن كلّ الشرارات بألا تصيب هدفها.
في خضم الأحداث، فإنّ الترجيح السائد أن يؤدي اغتيال سليماني إلى رفع وتيرة التأهب في المنطقة، لكن الأكثر ترجيحاً أن الأيام القادمة لا تحمل في طيّاتها بوادر حربٍ، أو تصعيدٍ كبير، فتنوع اللاعبين وتقاطع مصالحهم رغم تضادها في كثير من الملفات، يُحتم عليهم منع توسيع دائرة النار، الأمر الذي سيُبقي الواقع على حاله، إلّا إذا كانت إيران بالفعل مستعدة لحرب شاملة، هي تُدرك أنّ اثمانها عالية جدا.