واضح أن الحرب التي شنتها أجهزة الاحتلال الأمنية والمدنية على بلدة العيسوية وبضوء أخضر من المستوى السياسي منذ حزيران الماضي، تُنفَّذ لتحقيق أهداف سياسية تتعدى البلدة، فالعيسوية هي "البروفا" للمشروع السياسي القادم بحق القرى والبلدات المقدسية داخل جدار الفصل العنصري.
فالمشروع كما يراد له عبر عنه قائد لواء شرطة الاحتلال السابق لمدينة القدس "ميكي ليفي"، بأن العقوبات الجماعية والتنكيل بأهالي العيسوية، ليست له أهداف أمنية، بل الهدف هو خلق رأي عام إسرائيلي من أجل تغيير الواقع الديمغرافي في مدينة القدس، عبر إخراج 28 قرية وبلدة مقدسية، داخل جدار الفصل العنصري خارج حدود ما تسمى مدينة القدس، وضم الكتل الاستيطانية من جنوب غرب القدس حتى شمال شرقها لحدود بلدية القدس، وبما يضخ 150 ألف مستوطن إليها.
والمشروع المتدحرج لحكومة الاحتلال، يعتمد على التعامل في البداية مع القرى والبلدات المقدسية، كوحدات اجتماعية مستقلة عن بعضها البعض، قضاياها وهمومها المجتمعية والاقتصادية والخدماتية والاجتماعية، يجري التعامل معها من خلال فتح مجمعات لشرطة الاحتلال تضم مباني للشرطة الجماهيرية والمراكز الجماهيرية، بحيث تربط كل حياة المقدسيين فيها من خدمات وتراخيص بناء ومخططات هيكلية وأنشطة وفعاليات وغيرها فيها، وبما يضمن فكفكة الرابط والنسيجين الوطني والمجتمعي وما بينها وبين محيطها من قرى وبلدات مقدسية، وفي مرحلة لاحقة، يتم إخراجها من حدود بلدية الاحتلال، وتقام لها مجالس محلية على غرار القرى العربية في القسم الغربي من المدينة، أبو غوش، عين رافة، بيت نقوبا وغيرها.
ولذلك فالحرب الآن على العيسوية في ظل حالة فلسطينية ضعيفة ومتشظية ونظام رسمي عربي منهار همه التطبيع العلني والرسمي والشرعي مع دولة الاحتلال، والسعي لتطبيع العلاقات الدبلوماسية معها، ومشاركة أمريكية مباشرة في العدوان على شعبنا، بهدف تصفية وشطب قضيتنا الوطنية، تتصاعد وتأخذ منحى كسر العظم، بغرض كسر الحلقة الأقوى في المدينة، وبما يمكن من تطبيق المشروع وسحبه على بقية قرى وبلدات مدينة القدس داخل جدار الفصل العنصري.
وقد شهدنا اعتقالات للعديد من أهالي العيسوية، وتهديدهم بنقل ملفاتهم إلى وزارة داخلية الاحتلال من أجل سحب هوياتهم الإسرائيلية المؤقتة "الزرقاء"، وليتدحرج المشروع بشكل أوسع وأكبر، باستدعاء ستة شبان من العيسوية، لتطبيق أنظمة الطوارئ البريطانية عليهم لعام 1945، بفرض الاعتقال الإداري الليلي عليهم ولمدة أشهر عدة.
إن استخدام أنظمة الطوارئ هذه غير عادية، ومن المتوقع أن تُصدِر الأوامرَ هذه في الأيام القليلة القادمة قيادةُ الجبهة الداخلية، وأن قائد الجبهة الداخلية في جيش الاحتلال "تامير يدعي"، سيصدر أوامر الاعتقال هذه بصفته القائد العسكري للمنطقة. ولوائح الطوارئ من الانتداب البريطاني تمنح صلاحيات واسعة للجيش الإسرائيلي، غالبا ما تستخدم اللوائح للاعتقالات الإدارية وعمليات الهدم في الضفة الغربية واستخدمت هذه الأوامر في الماضي من أجل منع قياديين فلسطينيين من التنقل من القدس إلى الضفة.
هذه الحرب المتصاعدة على مدينة القدس، وفي مقدمتها العيسوية، تستدعي عقد لقاء فلسطيني للشخصيات وفعاليات مقدسية سياسية وطنية ومجتمعية ومؤسساتية وشعبية، لرسم إستراتيجية شاملة لكيفية التصدي ومجابهة هذه المشاريع المتدحرجة، ومن ضمن ذلك الموقف المقدسي من المشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية؛ شكل تلك المشاركة، ومكان انتخاب المقدسيين وترشيحهم، والبدائل في ظل رفض الاحتلال لمشاركتهم تصويتاً وانتخاباً في بلداتهم وقراهم، لأنها معركة سياسية بامتياز، إما أن تكون هناك إرادة سياسية فلسطينية لقيادتها وإدارتها، أو يُترك المقدسيون لمواجهة مصيرهم وحدهم.