رام الله-خاص قُدس الإخبارية: "احنا طلعنا من فمّ الموت"، حياة جديدة كُتبت لعائلتي شلالدة وادريس، بعد أن نجوا من فرقة الموت ومقبرة التحقيق قبل نحو عام، حين كانوا يتعرضون للتعذيب الشديد ويطلقون صرخات الوجع، بينما كان جنود الاحتلال يمارسون طقوس الفرح. تفاصيل قاسية يرويها من تنسموا هواء الحرية.
فجر الثامن من شهر كانون الثاني العام الجاري، وبعد شهر من حملات مداهمات واعتقالات كبيرة شنها جيش الاحتلال، بحثًا عن المقاوم عاصم البرغوثي، اقتحمت وحدات "اليمام" التابعة لجيش الاحتلال، قريتي كوبر وأبو شخيدم غرب رام الله، واعتقلت البرغوثي وآخرين من بينهم "محمود شلالدة وضياء ادريس"، ووالديهما.
الأسير المحرر محمود زيادة شلالدة يروي لـ"قدس الإخبارية"، ما حدث معه ووالده: "الساعة الرابعة فجرًا، داهمت وحدات اليمام خيمتنا في كوبر، ما يقارب 200 جندي، كانوا يحاصرون خيامنا، طلبوا هويتي وقيّدوا يداي، واقتادوا والدي لمنزل مجاور وحققوا معه ميدانيًا".
بعد عشرين دقيقة وصلت الآليات العسكرية، وتم اقتياد محمود ووالده للجيب العسكري بعد أن عصبوا أعينهم، وعند مفترق جامعة بيرزيت توقفت الآليات العسكرية التي داهمت القريتين، وكان عددها يزيد عن 30 آلية عسكرية.
أنزل جنود الاحتلال، محمود ووالده من الجيب، وأثناء اقتياده شدّ أحد الجنود رأس محمود للأسفل، وقام جندي أخر بضربه على بطنه ودفعه، ليقع أرضًا، ثم جاء جندي وشدّه من رأسه وضربه في الجيب، وبدأ يضربه على قدميه ويصرخ عليه "قف قف"، ليدفعه داخل الجيب ووالده.
ما أن أدار الجندي محرك الجيب، حتى هجم أربعة جنود من وحدة "اليمام" على محمود ووالده واعتدوا عليهما بالضرب بأيديهم وأقدامهم وبأعقاب البنادق من رأسيهما حتى قدميهما، في حين كانوا يطلقون الصرخات، أما جنود الاحتلال فكانوا يستمعون للأغاني العبرية ويقولون "احنا في حفلة اليوم".
أثناء الضرب، رفع جندي العصبة عن عيني محمود وقال له: "انظر لوالدك وهو يُضرب" في حين كانت الشتائم تنهال عليهما، وبعد أربعين دقيقة توقفت الآليات العسكرية عند معسكر "بيت إيل" وهناك تم تسليم المعتقلين.
تعرض المعتقلون للدفع والسحل في ساحة المعسكر، وكانت الأجواء ماطرة وشديدة البرودة، ونظرًا للوضع الصحي الصعب لزياد شلالدة وابنه، تم نقلهما لمستشفى "شعاري تسيدك"، لم يقدم لهما العلاج المناسب، وخضع محمود لفحوصات فقط، وبعد ساعاتٍ جاءه محققون وسألوه عن عاصم البرغوثي.
قال محمود للمحققين إنه لا علاقة له، وهو لا يعرف أي شيء، إلا أن المحقق هدّده قائلًا: "بس نطلعك من فندق خمس نجوم، وإذا ما اعترفت رح نفرجيك أيام سوداء"، ليتم نقله لمركز تحقيق المسكوبية رغم وضعه الصحي، وهناك مكث محمود 17 يومًا، كانت الأسئلة كلها تدور حول عاصم البرغوثي.
لم يلتق محمود بوالده في "المسكوبية"، لكن بعد انتهاء التحقيق التقيا في عوفر، وأخبره والده أنه بعد أيام من مكوثه في المستشفى، نقلوه للتحقيق رغم أنه لم يتماثل للشفاء، وكانوا في التحقيق يضغطون على أضلاعه المكسورة لإجباره على الاعتراف.
ادريس يروي الواقعة
أما عائلة محمود ادريس، وبالتزامن مع اقتحام خيمة شلالدة، اقتحمت وحدات "اليمام" منزلهم في ابو شخيدم، وتم احتجاز أفراد العائلة في غرفة، في حين بدأ جنود الاحتلال بالاعتداء على الوالد "محمود" والتحقيق ميدانيا معه.
يقول ضياء الدين محمود ادريس، لـ"قدس الإخبارية": "كانت الأسئلة تدور حول مكان وجود عاصم البرغوثي، كان نائب ضابط الوحدة مشرف على التحقيق، وتم الاعتداء على شقيقيّ مهند وهيثم، أربعون دقيقة استمر تعذيب الوالد".
انتبه جنود الاحتلال لوجود شخص غريب، اقتادوه وبدأوا بالتحقيق معه، سألوه عن اسمه فأجاب "علي ادريس"، طلبوا منه هويته وهاتفه، لكن لم يكونا بحوزته، استمرت الأسئلة وكانت الشكوك تزداد، حتى جاء ضابط المنطقة "ذياب" وتعرّف عليه.
احتجزوه في الغرفة وبدأوا بالتحقيق معه وتعذيبه لمدة خمس عشرة دقيقة، ثم انسحبوا بعد أن اعتقلوا محمود ادريس وأبناءه "ضياء الدين وهيثم ومهند"، وعاصم البرغوثي.
تعرض أفراد عائلة ادريس للضرب خلال اعتقالهم في الجيب من قبل جنود "اليمام"، وكانوا يقولون "هذا يوم وفيّ لإسرائيل"، حتى وصلوا لمعسكر "بيت إيل" وهناك تم إلقاء جميع المعتقلين في الساحة. كان ضياء يسمع صوت أنين والده وزياد شلالدة من شدة الضرب، واستمر الاعتداء عليهم أثناء احتجازهم بالساحة.
كان ضياء حافي القدمين عندما اعتقلوه، طلب من جندي أن يخفف قيوده، ليقوم بشدها حتى لم يعد يشعر بيديه وبدأت الدماء تسيل منهما، ليكن هو أول شخص يتم اقتياده للداخل، فحصه طبيب عسكري ولم يكترث لوضعه واعتبر أنه ما دام يتنفس فهو جيد، وتم نقله للمسكوبية، وأفرجوا عن شقيقيه.
تم احتجاز ضياء في ساحة مكشوفة بالمسكوبية، وتمت تعريته بشكلٍ كامل تحت المطر لمدة خمس عشرة دقيقة، وتم نقله لغرفة التحقيق، هناك عرّف المحقق عن نفسه "أنا تسوغ" ويعني من ينفخ في الصور، وأنا أحصد أرواح كلّ البشرية مرتين، مرة آخذ الروح والثانية أخرجكم، فمع من تحب أن تكون؟".
في اليوم الأول من التحقيق، كانت الأسئلة عامة وشخصية حول ضياء، وبدأ المحقق يحاول كسب ثقته وعرض عليه صورًا له ولعائلته في مدينة رام الله، لكن في اليوم الثاني بدأ التحقيق يشتد ويطول لعشرين ساعة تقريبًا، كانت الأسئلة كلها تدور حول عاصم، ودور ضياء.
أنكر ضياء كل التهم التي وجهها المحققون له، وجمعه المحققون مع عاصم ووالده، ولم يتعرف على ملامحهما جيدًا نظرًا للتعذيب، وحاولوا إيهامه بأن المعتقلين اعترفوا عليه.
سبعة عشر يومًا استمر التحقيق المكثف مع ضياء، تعرض للشتم والصراخ والتهديد بقتله في سبيل استخراج معلومة منه، كونها أهم من حياته بالنسبة لهم، وأنه سيبقى في السجن مدة طويلة، وسيتم هدم منزلهم، وأخبروه بأن أحد أفراد عائلته مفقود.
نُقل ضياء وشلالدة ومعتقلون آخرون لمعتقل "عوفر"، بعد انتهاء التحقيق، وهناك التقى ضياء بوالده، وكان وضع "محمود" الصحي وزياد صعب للغاية، فهما ما زالا حتى اليوم يعانيان من الضرب، لكنهم كانوا جميعًا يعتبرون أنهم وُلدوا من جديد بعد ما مروا به، لا سيما بعد أن وصلت لضياء أنباءً تؤكد أن أفراد عائلته بخير.
حكم الاحتلال على ضياء ادريس ومحمود شلالدة بالسجن لمدة عام، وتنسما الحرية قبل أيام، أما آباؤهم فما يزالان ينتظران حُكمهما.