رام الله – خاص قدس الإخبارية: مع إعلان فاتو بنسودة المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية الجمعة أنها تريد فتح تحقيق شامل في جرائم حرب محتملة في الأراضي الفلسطينية، تسارعت المواقف الفلسطينية المرحبة بهذا القرار من أجل محاسبة الاحتلال الإسرائيلي.
غير أن القرار الصادر عن المدعية العامة، رأى به بعض المختصين القانونيين قد يحمل مواقف غير واضحة وإن كان في ظاهره إيجابياً يخدم التحرك الفلسطيني لمحاسبة قادة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمهم المرتبكة بحق الشعب الفلسطيني.
وترصد "شبكة قدس" النتائج المترتبة على قرار بنسودة وكيف يمكن للفلسطينيين أن يستفيدوا من هذا القرار، إلى جانب استعراض جوانب القرار وحيثياته المختلفة.
الحالة الفلسطينية
من جانبه، يقول رئيس المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده إن المحكمة الجنائية الدولية بصورتها الحالية هي التطبيق العملي لوجود جهاز قضائي يسائل مخالفي قواعد القانون الدولي لا سيما ميثاق روما المشكل للمحكمة الجنائية الدولية والذي دخل حيز التنفيذ في 1 يونيو 2003.
ويبين عبده لـ "شبكة قدس" أن هذا الميثاق أكد على أن المحكمة تختص بنظر أربعة قضايا يندرج تحتها العديد من الممارسات التي توجب معه تحريك المساءلة الجنائية الدولية بحق مرتكبي تلك الممارسات وهذه الجرائم هي: جرائم الحرب وجرائم العدوان وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
وبشأن الحالة الفلسطينية ذكره عبده قائلاً: "في الحالة الفلسطينية قد تنطبق على ممارسات الجنود الإسرائيليين أكثر من جريمة وهذا ما رصدناه على مدى السنوات السابقة لاسيما الحروب التي شنتها السلطات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية وخاصة قطاع غزة وما نتج عنها من انتهاكات فظيعة وممارسات تدخل ضمن إطار عمل المحكمة في أكثر من جريمة".
خطوة مهمة
واعتبر رئيس المركز الأورو متوسطي أن هذا الإعلان خطوة أولى ومهمة على طريق تطبيق العدالة الجنائية بحق الجنود والقادة الإسرائيليين الذين ارتكبوا مئات الجرائم بحق النساء والأطفال والمدنيين الفلسطينيين خلال السنوات الماضية عبر الهجمات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية.
وشدد عبده على أن فرصة القيام بتحقيق جدي في الجرائم الإسرائيلية المرتكبة بحق الفلسطينيين قائمة ومتوفرة لا سيما بعد تصريح المدعية العامة للمحكمة الجنائية الأخير لكن هذا التصريح بحاجة لترجمة حقيقية على أرض الواقع بالانتقال للخطوات التالية على طريق مساءلة الجنود الإسرائيليين عن جرائمهم المرتكبة والبدء بإجراءات التحقيق بعد أخذ موافقة الدائرة التمهيدية على وقوع الاختصاص الإقليمي القضائي للمحكمة الجنائية الدولية في الأراضي الفلسطينية.
وأشار إلى أن إعلان المدعية العامة الأخير يشكل خطوة أولى وحقيقية لتحقيق مطالبات الفلسطينيين خلال السنوات الماضية بملاحقة الإسرائيليين عن جرائمهم المرتكبة بحقهم لكن هذا الإعلان يعني أن تتجهز المؤسسات الفلسطينية والحقوقية الدولية والمحلية وحتى الضحايا وذويهم لتقديم المعلومات الكافية والأدلة التي ستطلبها منهم المحكمة الجنائية الدولية منهم خلال فترة التحقيق لضمان اقناع المحكمة بارتكاب الجنود الإٍسرائيليين لممارسات تخالف ميثاق روما المشكل للمحكمة الدولية.
وأردف قائلاً: "إعلان المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية يقلق السلطات الإسرائيلية لا سيما وأن الأخيرة تقوم بشكل دائم بمهاجمة المحكمة الدولية وقضاتها، هذا الإعلان من الممكن أن يشكل أداة ضغط على السلطات الإسرائيلية لا سيما إن استتبع بإجراءات متتابعة كالبدء في التحقيق وجمع المعلومات واصدار أوامر ملاحقة".
وبشأن التخوفات علق عبده قائلاً: "الخوف الحقيقي يكمن في تباطؤ وتلكؤ المحكمة في المضي قدما في تلك الإجراءات أو خضوعها لإرادات دولية وغياب أدوات تحقيق العدالة، حينها قد تصل الرسالة بشكل مغاير للاحتلال بما يشكل تعزيز لقناعاته أنه فوق المحاسبة والمساءلة"
إيجابي ولكن..!
في السياق ذاته، قال عصام عابدين رئيس وحدة المناصرة المحلية والإقليمية في مؤسسة الحق إن القرار في ظاهره إيجابي إلا أن هناك بعض الأمور التي تحتاج إلى إيضاح وقد تكون مثار أسئلة وجدل بشأن طبيعة القرار المكون من أكثر من 100 صفحة.
وأوضح عابدين لـ "شبكة قدس" أن بيان المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية – بنتيجة التقرير- الذي يطلب من الدائرة التمهيدية إصدار قرار بشأن نطاق الاختصاص الإقليمي للمحكمة؛ أي التأكيد على أن الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة أرض محتلة، قد تخضع للتحقيق، باعتبارها مسائل فريدة من نوعها ومتنازع عليها على حد قول المدعية العامة للمحكمة (ليس جديداً في منهج تعاطي مكتب الادعاء العام) علاوة على تجاهل الجرائم ضد الإنسانية في بيانها.
غير مهني
وأشار المختص القانوني إلى أن القرار يبدو غير مهني وبه بعض المخالفات ويحتاج إلى تأمل عميق ودراية شاملة وكافية لجميع تفاصيل القرار، خصوصاً أن قرار المدعية العام جاء بعد دراسة شاملة نتيجة طلب الإحالة التي قامت بها دولة فلسطين عام 2015.
وأردف قائلاً: "كيف تطلب المدعية العامة الآن بعد 4 سنوات من الدراسة إصدار قرار بشأن تحديد نطاق الاختصاص الإقليمي في الوقت الذي بات من المعلوم وفقاً للقرارات الدولية أنها تشمل الضفة المحتلة وغزة والقدس، فإذن ماذا كانت المدعية العامة تدرس؟".
واستطرد بالقول:" فلسطين أصبحت دولة عضو في الكثير من المؤسسات العالمية والدولية وتقدم تقارير وتستقبل تقارير ووفقاً لقرارات كثيرة صادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة فنطاق العمل واضح والنطاق الجغرافي واضح".
وأشار عابدين إلى أن تصرف المدعية العامة بهذه الطريقة يوحي بأنها قذفت بالكرة في ملعب الدائرة التمهيدية لتحديد نطاق الاختصاص الإقليمي للدولة المعروفة سلفاً بالأساس، معتبراً أن ذلك يحمل في طياته أبعاد سياسية وتسويف ومماطلة لكسب مزيد من الوقت.
وأكد على أنه كان يجب أن تقوم المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق بعد الانتهاء من دراسة الملف لا أن تقوم بنقل المسؤولية للدائرة التمهيدية التي ستعمل على إصدار قرارها في فترة 120 يومياً وستقوم كذلك بدراسة الملف والنظر فيه مرة أخرى.
ولفت المحامي والمختص القانوني إلى أن المختلف في عمل المحكمة الجنائية الدولية أن الجرائم لا تسقط بالتقادم حتى وإن كانت نطاق الفترة الزمنية قد بدأت منذ شهر 6/ 2014، وبالتالي هناك بعض القضايا كالتجهير القسري الذي بدأ منذ عام 1948، ونظام الآبارتاهيد وغيرها من الجرائم التي تعتبر ضد الإنسانية لا بد أن يتم التحقيق بها.
وكانت بنسودة أطلقت في يناير/كانون الثاني 2015 تحقيقا أوليا حول اتهامات بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، في أعقاب حرب غزة عام 2014، ورفضت الولايات المتحدة وإسرائيل الانضمام إلى المحكمة التي أقيمت عام 2002، لتكون المحكمة الدولية الوحيدة المتخصصة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وانضم الفلسطينيون إليها عام 2015.