رام الله المحتلة - خاص قدس الإخبارية: بحضور رسمي غير مسبوق، استقبلت السلطة الفلسطينية المنتخب السعودي لأول مرة على أرض فلسطين المحتلة، بعد رفضه قبل أربعة أعوام التزاماً بمبادئ المقاطعة العربية للاحتلال. استقبال لم يجر يوماً لفريق رياضي من قبل نظام سياسي. ذات اللقاء سيتكرر مجدداً على وليمة عشاء ستجمع بين الرئيس الفلسطيني مع الوفد الرياضي بعد المباراة التي حسمت بالتعادل السلبي بين المنتخبين.
اليوم الثاني لوصول المنتخب السعودي المكون من ١٠٠ شخص، يزور عدد منهم المسجد الأقصى بحراسة مكثفة بلباس مدني، وبحضور شخصيات فلسطينية رسمية إضافة لعدد من العناصر الأمنية الفلسطينية بلباس مدني انتشروا في باحات المسجد. في الوقت ذاته، استمرت اقتحامات المستوطنين فيما يسمى "عيد العرش"، صلوات تلمودية ترتفع بأصوات عالية، ونداءات استيطانية بإدخال "القرابين" إلى المسجد، إبعاد للمرابطين، واستمرار عرقلة دخول المصلين عبر أبواب المسجد الأقصى.
يومان تتكثف فيهما الرسائل السياسية للسلطة الفلسطينية والنظام السياسي السعودي، فما الوجه السياسي المخفي للمباراة بين المنتخب الفلسطيني والسعودي؟ هل النتيجة محسومة مسبقاً على المستويين السياسيين؟ وما الذي دفع المنتخب السعودي التنازل عن مبادئ المقاطعة التي أعلن التزامه بها عام 2015؟ وأسئلة كثيرة أخرى باتت تُطرح اليوم وستبقى عالقة إلى أن يُجاب عليها في سياسات جديدة تصب في تنفيذ صفقة القرن وتمرير ما جاء من مخططات تحت مسمى "السلام الاقتصادي" في مؤتمر البحرين بدل ما يسعى إليه الفلسطينيون من تحرر.
إلا أن رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم واللجنة الأولمبية الفلسطينية، جبريل رجوب، قال بمقدمة حديثه في مؤتمر صحفي عقد قبيل المباراة في ١٤ تشرين أول، إن المنظومة الرياضية الفلسطينية الجديدة فصلت الرياضة عن السياسية، وجعلت من الرياضة واللاعب الفلسطيني أحد رموز الدولة الوطنية الفلسطينية. وذلك في محاولة لفصل أي أهداف سياسية للمباراة بين المنتخبين.
في الوقت ذاته، اعتبر قدوم المنتخب السعودي إلى فلسطين المحتلة، "تعبيراً صادقاً وأميناً وملموساً لموقف السعودية من القضية الفلسطينية، كقضية دولة، وقضية هوية". وقد طعم خطابه بمزيد من الكلام السياسي، الذي يتناقض مع الشكل الجديد للرياضة الفلسطينية التي أشار إليها بأنها مفصولة عن السياسة.
صحفيون ومحللون متخصصون في الشؤون الرياضية الفلسطينية، رؤوا أن عقد المباراة بين المنتخبين على أرض فلسطين المحتلة، له أهداف سياسية بحتة، وخاصة أن المنتخب السعودي كان له موقف واضح من دخول الأرض المحتلة عام ٢٠١٥، واعتبر ذلك تطبيعاً.
الاحتلال اليوم يمنح تصاريح الدخول لفرق رياضية عربية على رأسها المنتخب السعودي، إلا أنه يمنع الفرق الفلسطينية من التنقل بين الضفة المحتلة وقطاع غزة، وهو ما حصل في الشهور الثلاث الماضية خلال دوري كأس فلسطين فرق رياضية. إذ لم يسمح الاحتلال لفريق نادي خدمات رفح مغادرة غزة إلى الضفة وملاقاة فريق نادي بلاطة كما كان مقرراً.
الصحفي المختص في الشؤون الرياضية، أحمد أبو دياب، يتساءل، "ما المانع أن تكون غزة الملعب الفلسطيني الذي يستضيف الفرق الرياضية العربية، وخاصة أن الدخول إليها يكون من معبر عربي خالص لا سيطرة للاحتلال عليه، وتذهب تلك الفرق إلى الضفة بعد حصولها على تصاريح من الاحتلال، وتخضع لحواجزه".
ويبين أبو دياب أن المنتخب السعودي الذي كان ملتزماً بمبادئ المقاطعة قبل أربع سنوات فقط، اليوم يغير رؤيته، ويأتي إلى فلسطين المحتلة مطبعاً، "تناقض المنتخب السعودي في موقفه بين اليوم وعام ٢٠١٥، يصير الكثير من الأسئلة حول مدى ارتباط ذلك بصفقة القرن، وما الهدف السياسي من هذا الموقف الجديد للمنتخب؟".
من جانبه، يختلف المحلل الرياضي خالد أبو زاهر مع أبو دياب، ويبين أنه لا يرفض زيارة المنتخبات العربية إلى فلسطين المحتلة ولا يتهمها إذا قامت بذلك بالتطبيع، مبينا أن المنتخبات العربية التي رفضت أن تأتي إلى فلسطين المحتلة حتى لا يتم اتهامها بالتطبيع، يُقدر موقفها ويُحترم.
وأضاف لـ قدس الإخبارية، "رفض المنتخب السعودي السابق القدوم إلى فلسطين المحتلة كان له ما يبرره، وكان ذلك يتماشى مع موقفنا كفلسطينيين من التطبيع".
وأكد على أن قطاع غزة تعتبر بديلاً للمنتخبات العربية التي ترفض القدوم إلى الضفة الغربية حتى لا تمر عن حواجز الاحتلال، "كان بإمكاننا اللعب مع الوفد السعودي عام ٢٠١٥ في قطاع غزة بدل الأردن.. ولكن لماذا يرفض رئيس الاتحاد الفلسطيني أن يكون هناك حل؟".
الاحتلال استخدم وصول الوفد السعودي إلى الضفة المحتلة لتجميل صورته أمام العالم، والترويج "لديمقراطيته"، فعبر إعلامه قال مرحباً بالمنتخب السعودي: أهلاً في المنتخب السعودي على أرض فلسطين. وقد تلى ذلك منشوراً للناطق باسم جيش الاحتلال افيخاي ادرعي اعتبر فيه زيارة الوفد السعودي للمسجد الأقصى إحدى صور حرية العبادة لكيان الاحتلال.
الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم عبر بشكل متكرر عبر رئيسه جبريل رجوب أن وجود ما اسماه "الملعب البيتي الفلسطيني" يشكل صورة من صور سيادة السلطة الفلسطينية، وهو حديث ليس بجديد، وقد بدأ بالترويج له منذ عام ٢٠١٥، واستخدمه حينها للضغط على المنتخب السعودي وإجباره على القدوم إلى الضفة المحتلة.
إلا أنه وحسب الوكالة الرسمية (وفا) بالملعب الفلسطيني يتعرض بشكل مستمر لاعتداءات الاحتلال، ابتداء من منعه بناء الكثير من الملاعب كما حصل 21 تموز 2015 إذ منع الاحتلال إنشاء ملعب كرة القدم في وادي فوكين. إلى قصف الملاعب والنوادي الرياضية والتي كان آخرها قصف ملعب بيت حانون آذار الماضي، وصولاً لاقتحام الملاعب ومنع إقامة المباريات وهو ما حصل مؤخراً في مدينة القدس المحتلة، إضافة للكثير من الاعتداءات اليومية.
أبو دياب يقول، "من يرى الاعتداءات اليومية للاحتلال على الملاعب والنوادي الرياضية يعلم تماماً ما الواقع الذي يعايشه الملعب البيتي في فلسطين". إلا أنه وحسب أبو دياب فإن ما يعيق وجود ملعب بيتي فلسطين وجود الاحتلال الذي حرم لاعبي غزة من أن يكونوا اليوم جزء من المنتخب الوطني.
وبين أبو دياب أن الدوري الفلسطيني المستمر في دورته السادسة لا يوجد فيه أي لاعب من قطاع غزة، فيما باتت الدول العربية تستقطب اللاعبين المحترفين من غزة، "اتحاد الفلسطيني يتحمل جزء من هذه المسؤولية وليس فقط الاحتلال، فحسب سياسات الفيفا فهي تستطيع إلزام الاحتلال أن يكون المنتخب الفلسطيني مكون من الكل الفلسطيني".
من جانبه، يعلق أبو زاهر، "منذ تولي جبريل رجوب رئاسة كل ما يخص الرياضة عام 2008، قام بتطوير كروي كبير على صعيد البنية التحتية والكادر الفلسطيني في الضفة المحتلة، ولم يقم بذلك في قطاع غزة.. هو قدم الكثير ولكنه قصر بحق غزة التي يوجد فيها اثنين مليون فلسطيني".
وعن المتابعة الجماهيرية لكرة القدم في غزة، يعلق أبو زاهر، "الجماهير المتابعة لمباريات كرة القدم في قطاع غزة تصل لأضعاف أمثالها في الضفة المحتلة.. ففي دوري المحترفين في الضفة وصل عدد الجماهير خمسة آلاف متابع، بينما وصل عدد متابعي مباراة جمعت مؤخراً بين نادي اليرموك ومخيم جباليا على ملعب الشاطئ، 12 ألف متفرج وهي سعة ملعب الشهيد فيصل الحسيني".
السلطة الفلسطينية تعمل بشكل مستمر على تطوير البنى التحتية للرياضة، وإنشاء ملاعب تتناسب مع المقاييس والمعايير الدولية، وتسهيل دخول المراقبين الدوليين. أبو دياب يقول، "الأهداف السياسية تلعب دور رئيس في تطوير الضفة رياضياً، فيما يتم تجاهل تطوير قطاع غزة رياضاً، وهي التي بلغ لاعبيها عام ١٩٩٩ في المنتخب الفلسطيني ١١ لاعباً".
المحلل الرياضي خالد أبو زاهر قال لـ قدس الإخبارية، إن المنتخب الفلسطيني ومنذ عام ٢٠٠٨ لم يلعب له لاعباً في الدوري الفلسطيني في غزة، كما أن المدراء الفنيين للمنتخب الفلسطيني ومنذ عام ٢٠٠٨ لم يتابعوا الدوري الفلسطيني في غزة، "الدوري الممتاز في غزة هو من أفرز لاعبين للمنتخبات الوطنية الفلسطينية التي كانت تمثل فلسطين في الملاعب الدولية قبل عام ٢٠٠٨.. كل فلسطيني أينما كان له الحق أن يكون جزء من المنتخب الوطني الفلسطيني".
الملاعب الفلسطينية بات تشكل نقمة على الواقع الوطني، إذ أصبحت تشكل أرضية للتطبيع العربي مع الاحتلال، وبوابة سهلة لتمريره، ليصبح التطبيع عبر الوكالة من خلال الملعب الفلسطيني، وتلميع صورة الاحتلال وإخفاء جرائمه من خلال سماحه للوفود الوصول إلى الضفة المحتلة، رغم أنه يمنح التصاريح الانتقائية، وهو ما حصل مع منتخب الرجاء المغربي الذي لم يسمح الاحتلال بدخول بعض لاعبيه.
وقد ربطت الاتحاد الدولي لكرة القدم -فيفا- تطوير الملاعب الفلسطينية بشكل واضح بأهداف سياسية خلال مؤتمر البحرين المرفوض والمقاطع فلسطينياً، والذي عقد تحت مسمى "السلام والازدهار" بهدف تصفية القضية الفلسطينية والوصول إلى حلول "سلمية" تصب لصالح الاحتلال.
وقال حينها رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم -فيفا- السويسري جاني إنفانتينو، "لنعطِهم شيئا ملموسا، بعض الأمل، بعض الأحلام". وأشار إلى أن الفيفا تسعى لبناء المزيد من الملاعب في فلسطين، "نحن كفيفا نستطيع تقديم شيء ملموس يستطيع الناس رؤيته. عندما يمارس الأطفال كرة القدم، لا يكتفون بالابتسام فحسب بل يمتنعون عن القيام بأشياء أخرى. وبالتالي نعم، كرة القدم تستطيع لعب دور ما، قد يكون صغيرا في الظاهر لكنه هام في الواقع".
من جهة أخرى، يبين أبو دياب، أن سماح الاحتلال للوفود الرياضة العربية الوصول إلى الضفة المحتلة هدفها بشكل أساسي تبيض صورته أمام العالم، "الاحتلال يحارب الرياضة الفلسطينية بكل الطرق ويلاحق اللاعبين الفلسطينيين ويعرقل تنقلهم وسفرهم وهذه الحقيقة الواضحة والتي يحاول العالم تجاهلها.. اليوم على المنتخبات العربية أن تكون واعية لخطورة دخولها الضفة المحتلة وحصولها على تصاريح من قبل الاحتلال".