الضفة المحتلة – قدس الإخبارية: من على تلة مرتفعة، وقفنا نرقب حركة الآليات والجرافات التي تعمل منذ أسابيع عدة على إزالة الألغام من حقل عرابة على الطريق الواصل بين مدينتي نابلس وجنين، غير أن اقترابنا من موقع العمل لم يرق لـ "كاسح الألغام".
أقبل لؤي برادعية (42 عاما) مسرعا نحونا وطلب منا الابتعاد مسافة لا تقل عن 400 متر عن الموقع حفاظا على حياتنا.
الجو العام هناك يبعث على القلق، لسنا وحدنا من نسأل ماذا لو انفجر لغم خلال جرف التربة فجأة؟ لؤي يسأل أيضا.
حقل عرابة واحد من بين 16 حقلا تنتشر في الضفة الغربية، زرعه الجيش الأردني في حرب عام 1967 "النكسة" لإعاقة دخول دبابات جيش الاحتلال الإسرائيلي، يضم ألغاما مضادة للأفراد والدروع والدبابات، لكنه ليس الأول الذي يدخله برادعية ولن يكون الأخير.
قبل عام 2013، كانت برادعية حلاقا، يمتلك صالونا في بلدته صوريف شمال مدينة الخليل المحتلة، بعد أن ترك المدرسة، وبعد ذلك انتقل للعمل في الآلات والمعدات الثقيلة بأراضي الـ48، قبل أن يتعرف إلى أحد العاملين في المنظّمة الإنسانيّة المتخصّصة في إزالة الألغام "هالو تراست"، ويلتحق بها.
في ذلك الوقت، لم يكن لدى لؤي أدنى خبرة بكيفية التعامل مع الألغام، لكنه يعرف تماما كيف يدير الآلات والمعدات الثقيلة التي اكتسب خبرته بها في عمله السابق، ونجح في التجربة التي خضع لها مع المنظمة، وبدأ بتلقي تدريبات استمرت قرابة العام، على كيفية التعامل مع هذه الاجسام بكافة أشكالها وأنواعها، ومع الأيام صار مدير قسم الميكانيك في "هالو تراست".
في موقع العمل "حقل عرابة" الموبوء بالألغام، لا يتوقف جهاز الاتصال اللاسلكي الذي بحوزة لؤي عن استقبال الإشارات التي يرسلها زملاؤه من خارج الحقل، يدور حول الجرافة يراقب عملية فصل التراب عن الألغام، وبنظره أن "كل حبة تراب هي لغم حتى يتم التأكد من نظافتها".
في أول مرة وطأت قدما لؤي حقل الألغام كان في قرية النبي الياس شرق مدينة قلقيلية، بداية عام 2014، والذي تم تنظيفه فيما بعد، حينها لم يكن لديه تصور بخطورة المهمة الملقاة على عاتقه، يقول "كان ذلك بداية أول عمل حقيقي في إزالة الألغام كنت أحسب أن الأمر سهلا، لأني لم أكن أمتلك الخبرات الكافية، لكن مع الأيام بدأت أدرك أن حياتي على المحكّ".
يدير برادعية نوعين من معدات الكشف عن الألغام: اليدوية التي تتم بواسطة ماكنة يجري تمريرها فوق التراب فتصدر صوتا تحذيريا يفيد بوجود لغم في المنطقة، والأخرى ميكانيكية يجري من خلالها حفر التربة، كما أنه مسؤول عن توفير كل المستلزمات التي يحتاجها العاملون معه.
رغم أن برادعية يحمي الجزء العلوي من جسده بالزي الواقي "الدرع" أزرق اللون، ورأسه بخوذة لها غطاء بلاستيكي مقوى يغطي الوجه، لكن لا ضمان بأن لا يتسبب انفجار لغم بإعاقة دائمة في قدميه كونها غير محميه لأن تغطيتها يعيق سير العمل، يقول: "الدرع يحميك من الموت لكنه لا يحميك من الإعاقة".
"كل حبة تراب تعتبر لغما بالنسبة لي ما لم يثبت العكس، فيمكن أن يكون الحقل نظيفا بنسبة 99%، لكن يبقى هناك نسبة 1% وفيها قد تفقد حياتك". يضيف برادعية.
التدريب والخبرة المتواصلة التي اكتسبها في مواقع العمل جعلته يعرف كيفية التعامل مع الألغام التي يعثر عليها داخل الحقل، وآلية تفجيرها من خلال صعقها بالأسلاك الكهربائية عقب وضع مادة تعطي درجة حرارة تعمل على إخراج الهواء "تنفيس" من داخل اللغم في إحدى الغرف المخصصة التي تقام داخل الحقل، هذه العملية تستغرق قرابة 45 دقيقة، ليس هذا وحسب بل أصبح يتحدث الإنجليزية بطلاقة.
ويعتبر برادعية أن الألغام القديمة أخطر وأصعب وأعقد وتنفجر بشكل أسرع من الجديدة، لأن اللغم يكون قد تآكل بفعل الزمن ويصبح قابلا للانفجار بشكل أسرع خاصة المضادة للدروع.
في البداية لم تتقبل عائلة لؤي خاصة زوجته عمله في هذا المجال الخطر خوفا عليه، فهو أب لأربعة أطفال، لكن مع الوقت استطاع التأثير عليهم، ونظرا لنجاحه في عمله عرضت عليه منظمة "هالو تراست" ومقرها اسكتلندا العمل ضمن فريقها في العراق وأفغانستان فور الانتهاء من تنظيف فلسطين من الألغام.
ما يؤخذ على عمله أنه مرهون بالمشاريع، وأحيانا يضطر للتوقف عنه شهورا طويلة بانتظار مشروع جديد، في هذه الفترة يعود برادعية حلاقا في بلدته صوريف.
وكالة وفا