مشهد تدمير بيوت ما يزيد على 400 فلسطيني في شرقي القدس؛ كان احتفاليّا بالنسبة للجنود الإسرائيليين الذين أمسكوا أدوات التفجير عن بعد، وببهجة بالغة نسفوا العمارات الفلسطينية في حيّ "وادي الحمّص". وقد بدت نيران المتفجرات تتراقص داخل الطوابق، وكأنّهم تعمّدوا أن يظهروا النسف كعزف الأكورديون، ولكن بأصوات متفجّرة. لا يمكن، إذن، والحال هذه، التساؤل عن آدمية هؤلاء، ما دام هذا الاحتلال من نمط القعود على نار الأخدود!
في الوقت نفسه، وبالبهجة نفسها، كان عربيّ من إحدى البلدان الخليجية يلتقط الصور مع حفنة من المستوطنين والقتلة، ببلاهة ظاهرة، بعدما أعلن، مرّات عديدة، عن حبّه للقتلة والمجرمين. ولا يمكن، أيضا، والحال هذه، السؤال عن باعث الحبّ هذا، وكيف اتّصل بقلبه من وراء هذه المسافات كلّها. عشق "إسرائيل"، وهي الدولة التي تقيم احتفالاتها على أنقاض بيوت الفلسطينيين وأشلائهم، ولا يخلو بعض ساكنيها (أي "إسرائيل")، من وخز الضمير والشعور بالعار والخجل، فكيف أحبّها هذا العربي؟! ليس علينا أن نسأل وقد ظهر بكلّ تلك البلادة والتفاهة وهو يلتقط الصور مع القتلة، وهو ما يهوّن من شأن عملاء "إسرائيل" الجدد؛ ساسة لا يقلّون تفاهة عن أحذيتهم التي يغوصون بها وحل القذارة!
هذه المفارقة يتجلّى فيها تماما مشروع تصفية القضية الفلسطينية الذي تغطّيه حكومة البلاد التي جاء منها هذا "العربيّ" ليستظلّ بالعلم الإسرائيليّ، إذ تُمعن "إسرائيل" في تكريس الشقّ العملي من خطّة التصفية، وتضمّ إلى "سيادتها" أراضي يفترض أنّها تابعة للسلطة الفلسطينية بحسب اتفاقية أوسلو، وتوسّع من القدس التي اعترف بها ترمب "إسرائيلية خالصة" على حساب الضفة الغربية، وتفصل بين القدس والضفّة، وتُهجّر عشرات العائلات الفلسطينية؛ في مقدّمة تعطي ملمحا واضحا، ومرعبا، عمّا يمكن أن تقترفه "إسرائيل" في قادمات الأيّام، بغطاء عربيّ، يمثّله في هذه المقدمة هذا البليد المشار إليه.
إنّها خطّة الضمّ والتهجير والتطبيع، وقبل ذلك وأثنائه، التبنّي الكامل للرواية الصهيونية، والترويج لها، بمثل هذه الأداة الرخيصة التي يمثّلها المشار إليه، واحتقار الفلسطينيين ومشاعرهم، والتصرّف في حقهم وكأنّهم عدم أو معتدون على "الحقّ الإسرائيلي المقدس والتاريخي والأبدي"!
لقد نبت هذا القادم من صحراء العرب ليستظلّ بالعلم الإسرائيلي؛ من شتائم الذباب الالكتروني المموّل من حكومة بلده؛ الشتائم المصروفة حصرا للفلسطينيين، ومن مدائح الحبّ المنسوجة حصرا لـ"إسرائيل"، ومن الشاشات المفتوحة لتخريب الوعي وتشويهه. إنّه مبعوث الخراب، بعدما التهمت السجون المصلحين والصالحين، وأبيحت البلد المكرّم لأمثاله ممن خفّت عقولهم، وتبلّدت أحاسيسهم!
مرة ثالثة، والحال هذه، فليس لنا السؤال؛ لِمَ تصل المبالغة إلى هذا الحدّ من التردّي، وقد كان يمكنهم تزييف تحالفهم مع "إسرائيل" دون تبنّي روايتها، ودون إمطار الفلسطينيين بالهجاء صباح مساء، ودون السؤال الكذوب "لماذا يكرهوننا؟"، ودون تطبيع طافح بالاستفزاز وتعمّد الأذى؟! ليس لنا أن نسأل، لأنّ هذا الفرد "العربيّ" صورة لصانعه، ولقطة للمشهد العامّ الذي يراد فرضه وتعميمه، فالأمر محض انحطاط لا يُفسّر، ولا تطرح عنه أو عليه الأسئلة، فطرح الأسئلة في حالة كهذه مهين للعقل!
ومع ذلك، فلا يمكننا إنكار ما يقتحمنا به هؤلاء من أذى. نعم، لم تترك أدوات الدعاية وصناعة الرأي العام والتسويق للصهيونية، وتحقير الفلسطينيين وقضيتهم، في بعض البلاد العربية، لم تترك مجالا للدهشة أو المفاجأة، لكنّ معرفة ذلك، على ما قد تتضمّنه من فائدة بحصول الانكشاف الكامل والنهائي، مؤلمة وموجعة، فلا ينبغي بعد ذلك استغراب ما فعله المقدسيون بذلك المطبّع الوقح والبليد والتافه، فالألم شديد، والأذى كبير، وما تلقّاه من سبّ وبصاق أقلّ من حقيقة الألم الذي تسبّب به هو وساسته.