ضمن إحصائية لنشطاء عن حالات الاعتقال السياسي في الضفة الغربية، فقد تم رصد أكثر من 580 حالة منذ مطلع العام الجاري 2019، رقم يجب التوقف عنده كثيراً، سيّما وأن الأوضاع التي تشهدها الساحة الفلسطينية ليست بالهيّنة، والملاحظ أن الاعتقالات السياسية وفقاً لمتابعي هذه الملفات من المحامين يصفونها بأنها "اعتقال لأجل الاعتقال فقط" أي بتلفيق تُهم على المعتقلين لتبرير اعتقالهم واستمراره.
ومنذ تسلّم محمد اشتية رئاسة الحكومة الحالية، تعهد بعدم اعتقال أي صحفي على خلفية سياسية، ولكن 10 صحفيين منذ مطلع العام واجهوا الاعتقال السياسي وسياساته المقيتة، بينهم الباحث في الشأن الإسرائيلي ياسر مناع من نابلس والمعتقل منذ أكثر من شهر.
أرقام تحتاج إلى وقفة حقيقية، لأنها تعبر عن عمق الأزمة التي نعيشها على المستوى السياسي، ولكن ليس ثمّة من يكترث لهذه الظاهرة. فما دوافع الاعتقال؟ وهل ما زال الاختلاف الأيدلوجي ضريبة يجب دفع ثمنها باهظاً من الأعمار والأعمال والحريات؟
لم يتوقف الأمر هذا العام على الاعتقال السياسي للشبان، إنما طال فتاتين أيضًا، وهنّ سهى جبارة من رام الله والتي خاضت إضرابًا مفتوحًا عن الطعام حتى نالت حريتها، وما زالت تحضر جلسات المحاكمة دون توجيه أي تهمة لها!، الأمر ذاته تكرر مع الفتاة آلاء البشير من قلقيلية والتي اعتقلها الأمن الوقائي أكثر من شهر، ثم أفرج عنها ليوم واحد، ليعيد اعتقالها مجدداً ويبدأ سلسلة التمديدات حتى يواصل اعتقالها منذ أكثر من 65 يوماً، خاضت خلالها إضرابًا مفتوحًا عن الطعام ولكنها لتردي وضعها الصحي اضطرت لإنهائه.
فيما يواصل الأمن الوقائي اعتقالها تحت مسمى "إثارة النعرات الطائفية" علماً أنه كان قد أدرج لها تهمة الانتماء لـ"داعش"، ثم تنظيم القاعدة! ثم التواصل مع حركات خارجية تضرّ بالأمن العام –والقصد هنا فصائل المقاومة في غزة-ليتوقف الأمر اليوم على إثارة النعرات الطائفية.
في اتصالات متواصلة مع محامي المعتقلة البشير، مهند كراجة، أوضح أن الاعتقالات السياسية والتمديدات المتتالية ليست مبررة، حتى أن الأجهزة الأمنية في كثير من الحالات ترفض دفع كفالة مالية لقاء الإفراج عن المعتقل، لأنه لا تهمة حقيقة تواجهه، إنما اعتقاله فقط لغاية الاعتقال.
حالة من التغييب تشهدها الساحة الفلسطينية تجاه ملف الاعتقال السياسي، وكذلك لجنة الحريات التي جرى تشكيلها في الضفة وغزة لمتابعة قضايا الاعتقال السياسي في كلا الجانبين. حقيقة: لا أعلم ماذا علينا فعله لتحطيم صنمية الهيمنة العسكرية على واقعنا الذي يختلف عن أي واقع آخر، فنحن ما زلنا تحت احتلال صهيوني فاقت عنصريته المتوقع، فهل من المنطق العقلاني أن نشهد اعتقالات سياسية؟ وماذا نعي نحن بالسياسة ليكون لدينا اعتقالات سياسية؟ وماذا نملك نحن من السياسة لنواجه صلف الاعتقال السياسي؟
في قاموس العالم: الاعتقال السياسي هو اعتقال احترازي لأشخاص يعارضون النظام السياسي القائم على سيادة أرض وشعب، وللتأكيد أن الاعتقال السياسي مرفوض بكافة أشكاله في أي مكان. ولكن مقارنة مع حالنا الفلسطيني المترهلّ من عام الى آخر، هل من المنطق أن نشهد هذه الاعتقالات السياسية وبهذا الحجم !
لا أحبذ توجيه النداء لمؤسسات حقوق الانسان وكافة الأطر التي تدعي أنها تعمل على تثبيت الحريات وفرضها في المجتمع كحالة طبيعية كما الاختلاف، ولكن أين هذه المؤسسات من الاعتقال السياسي؟ أين مؤسسات المجتمع المدني من هذه الظاهرة؟ أين المؤسسات النسوية التي تصدّع رؤوسنا في حملاتها من اعتقال سهى جبارة ومواصلة اعتقال آلاء البشير؟ لماذا لم نقرأ بيان لها تدين الاعتقال وتطالب بحريتها؟ لماذا لم نرى مسيرة احتجاجية تطلب بحرية المرأة "الاء البشير"؟ ما هي المقاييس التي تعمل وفقها هذه المؤسسات وما هي اعتباراتها في العمل؟ لا أحد يعلم!.