شبكة قدس الإخبارية

بعد عام على مسيرات العودة... لا زلتُ أرثي صغيرتي رزان

72

ترجمات خاصة- قُدس الإخبارية: كانت لا تزال في العشرين من العمر عندما استشهدت، تقول والدتها: "كان الأول من حزيران من عام 2018، وكانت رزان أكبر أبنائي الستة، والممرضة المتطوعة في المجال الطبي تساعد في علاج جرحى مسيرات العودة التي كانت قد بدأت في الثلاثين من آذار ذلك العام".

رغم ارتدائها معطفها الطبي الأبيض إلا أنها كانت تشكل هدفًا لـ "جيش الاحتلال الإسرائيلي"، فأطلقوا عليها النيران بينما كانت تحاول إخلاء الجرحى بالقرب من السياج الفاصل.

بعد استشهادها أصبحت رمزًا للشعب الفلسطيني الذي يرزح كله تحت وطأة الاحتلال، إلا أن مشاركتها في مسيرات العودة لم يكن بالأمر اليسير على الإطلاق، فبعد عدم تمكنها من دراسة الطب لصعوبة ظروفنا المادية اتجهت لدراسة التمريض، وعندما علمت بأمر مسيرات العودة باعت هاتفها النقال وخاتمًا لها قبل بدء المسيرات لتشتري بثمنهما معداتٍ طبية.

تحدت المجتمع الذي لم يكن مستعدًا لقبول مشاركة شابة بالمسيرات، ومنذ اليوم الأول لها في المسيرات كانت تعتني بالجرحى، وكانت في الكثير من الأوقات كلما رأت حيوات تزهق بتلك القسوة، كانت تبدي عزيمة صلبة ولدت من رحم الدمار الذي خلفته الاعتداءات الصهيونية على غزة عام 2008.

 كانت رزان مصرة على مساندة إخوانها وأخواتها في مسيرات العودة، فكانت ترى أنها لم تكن مجرد مسعفة، بل كانت عضوًا فاعلًا في المقاومة، فانضمت إلى مجموعات النشطاء والكتاب والصحفيين والشبان ووجدت نفسها ضمن حشد من المتظاهرين السلميين الذين كانوا مجتمعين يشكلون مرآة لفلسطين.

وشأنها شأن أي واحد منهم، كانت رزان تحلم بالعودة يومًا ما إلى قريتها في يافا، وكانت متفائلة بلقاء جديها الذين فرق بينها وبينهما الحصار الغاشم، إلا أن من فرضوا ذلك الحصار فعلوا ما بوسعهم لضمان عدم حصولها على  ذلك اللقاء.

لم تكن الرصاصة التي أردتها هي الرصاصة الأولى التي تصوب نحوها، فقد عكف قاتلوها الجالسون بأبراج عسكرية آمنة على منعها من أداء عملها في الميدان، الأمر الذي يشهد لها بشجاعتها وتصميمها بالإضافة إلى كفاءتها بوصفها مسعفة وممرضة، إذ كانت تسرع رغم إطلاق النار لتخلي المتظاهرين من رجال ونساء وأطفال وتعالجهم وتخفف عنهم.

في ذلك اليوم، أطلق الرصاص بدم بارد على مسعفين وصحفيين وحتى على ذوي احتياجات خاصة فيما اعتبر انتهاكًا غير مسبوق لحقوق الإنسان والقوانين الدولية.

وقالت صحيفة "اندبندنت" في تقريرها عن رزان، إن الرحمة التي أظهرتها رزان، مثالُا يحتذى، وعلينا أن نتعلم من رزان وأمثالها ممن يضحون بحياتهم من أجل السلام والعدل والحرية، مضيفة أن الشعور بالواجب تجاه هذه القيم وتعطشنا للعدل هو الذي أدى إلى انطلاق مسيرات العودة.

 يبدو أن العالم نسينا نحن المليون ونصف غزي المحصورين في منطقة مكتظة أشبه بالسجن ويحيط بنا الحصار الإسرائيلي من جميع النواحي ونعيش في مجتمع يسوده الظلم، ومن أجل ذلك نخرج كل جمعة في مسيرات أسبوعية، وسوف نظل نخرج في مظاهرات سلمية ضد المحتل كما ولن نتردد في المطالبة بحقوق الآخرين وحريتهم، نقلًا عن والدتها.

بعد سبعين عامًا من طردنا عن أراضينا، نحن الشعب الفلسطيني، لا زلنا نتوق للعودة إلى موطننا، ولا زالت معظم الأراضي التي كانت آهلة بسكانها قبل النكبة شبه فارغة كما لو أنها تنتظر عودة أصحابها الذين كانوا يسكنونها، ولن يرتاح من هجروا عن أراضيهم حتى يتحقق حلمهم بالعودة، فحق العودة ليس مجرد موقف سياسي، بل هو أكثر من مبدأ يظهر في آدابنا وفنوننا وموسيقانا، وهو جوهر فلسطينيتنا، إنه الدم الذي يسري في عروقنا.

مع اقتراب الذكرى السنوية لمسيرات العودة هذا الأسبوع، ستظل صغيرتي رزان رمزًا لا للتمسك بهويتنا فحسب، بل للشجاعة والتحدي اللذان يتسم بهما الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية.

لا تزال ذكرى نكبتنا حية في ذاكرتنا الجمعية وستظل كذلك غير متأثرة بالزمان أو المكان، وأخيرا، لا بد من القول بأن هناك حل ونهاية لهذه الحقبة المظلمة، وهو بأيدي دولة الاحتلال.

المصدر: اندبندنت- صابرين النجار