يشّنُ الوزير الصهيوني اليميني "جلعاد أردان" (حزب ليكود) حملة مسعورة ومنظّمة هذه الأيام ضد الحركة الوطنية الأسيرة في سجون الاحتلال مُحاولاً تشويه صورتها ومصادرة صوتها وإنجازاتها التي تحققت بالجوع والدم والعذاب، كما يقود شخصياً الجهود الصهيونية الرّسمية المُعادية لحركة المقاطعة الدّولية، وفي القلب منها حركة "بي دي أس" التي تدعو إلى مقاطعة الاحتلال وفرض العقوبات عليه وسحب الإستثمارات من شركاته ومؤسساته.
وفي الوقت الذي يتربع فيه "أردان" على رأس وزارة الأمن الدّاخلي، الجهة المسؤولة عن مصلحة وإدارة السجون، يقود وزارة الشؤون الإستراتيجية التي أسسها زميله اليميني العنصري "أفيغادور ليبرمان" عام 2006 ثم تحولت كل أجندتها عام 2015 لمهمة واحدة فقط: مواجهة حركة المقاطعة الدولية. الأمر ليس صدفة، فهناك علاقة وطيدة بين نضال الأسرى والأسيرات في السجون الصهيونية وبين حركة التضامن الأمميّة مع الشعب الفلسطيني في العالم. هدف "جلعاد أردان" تجريم الطرفين معًا على المستوى الدوليّ، الأسرى وكل من يدعو لمقاطعة الكيان الصهيوني أو الإنتصار للحقوق الفلسطينية.
تقوم "استراتيجية جلعاد أردان" على فكرة مركزية بسيطة هي "الإنتقال من الدّفاع الى الهجوم" وهذا الشعار يتضمن اعترافًا صهيونيًا بالأزمة، وأن كيانه الاستيطاني الاستعماري يعيش أزمة وجودية يسميّها الصهاينة "نزع الشرعية عن إسرائيل" لكن إذا كان الأمر " منطقيا"ً و" مفهومًا " بالنسبة لمحاولات العدو الصهيوني تجريم حركة المقاطعة في كندا والولايات المتحدة وأوروبا وغيرها بسبب ما تحققه هذه الحركة من انجازات لصالح النضال التحرري الفلسطيني فكيف في وسعه مثلا تبرير سياسة "الانتقال إلى الهجوم" في حالة الحركة الأسيرة داخل سجونه ومعتقلاته دون التغول على حقوقها ومصادرة انجازاتها وتشويه صورتها؟
بعبارة أدق: محاولات صهيونية لنزع الشرعيّة عن المقاومة
يكرر جلعاد أردان في معظم خطاباته الركيكة جدًا موقفا مفاده أن "هؤلاء المساجين ليسوا أسرى حرب ولا معتقلين سياسيين أو مناضلين من أجل الحُرية إنهم باختصار قتلة وارهابين، من يدعم القتلة متورط معهم في الجريمة، وعليه أن يتذكر وجود قوانين واضحة في الولايات المتحدة وأوروبا والدول الصديقة تُجرّم ما يُسمى "المقاومة الفلسطينية"!
هذه هي رسالة الصهاينة اليوميّة الدوليّة: تجريم الحركة الأسيرة والمقاومة الفلسطينية عموماً وممارسة الارهاب بحق القوى والحركات الشعبية التي تنضوي في اطار حركة المقاطعة على نحو خاص.
وتجري محاولات حثيثة من قبل مؤسسات العدّو وسفاراته ومنظماته المختلفة ( اللوبي الصهيوني) لتجريم المقاومة الفلسطينية وأنصارها، المقاومة الشعبية والمسلحة على حد سواء، آخرها تقليعة إعتبار حركة حماس منظمة ارهابية في الجمعية العامة للأمم المتحدة ، كذلك محاولات العدّو المستمرة في خلق " صلة تنظيمية " بين حركة المقاطعة و بين قوى المقاومة الفلسطينية ، ويعتبر المنظمات الفلسطينية الامريكية الناشطة في الولايات المتحدة مثل " طلبة من أجل العدالة في فلسطين " و " شبكة صامدون للدّفاع عن الاسرى " و " اتحاد المسلمين الامريكين من أجل فلسطين " وغيرها يعتبرها مجرد " واجهات للارهاب الفلسطيني الذي تخوضه حركة حماس والجبهة الشعبية " بينما الحقيقة أنها حركات ومنظمات حقوقية ونقابية مدنية تنمو في الكنائس والنقابات والأحزاب والجامعات.
إن معظم حملات التضليل والتشوية التي تقوم بها المراكز المعادية للشعب الفلسطيني في الولايات المتحدة وأوروبا تحاول جاهدة الرّبط بين حركة المقاطعة الدولية وقوى المقاومة الفلسطينية من خلال استحضار رموز الحركة الأسيرة واعتبارهم " قادة الارهاب الفلسطيني ". الهدف هو الضغط على حركة التضامن الأمميّة وفي القلب منها حركة المقاطعة للتخلي عن دعمها المعنوي وموقفها السياسي الداعم للمقاومة الفلسطينية باعتبارها مقاومة شرعية ضد الاحتلال هدفها العودة والتحرير .
انها حرب الشرعيات إذن، نعم، وهذه هي الحقيقة، جوهرها حرب وجودية بين مشروع صهيوني عنصري استعماري وبين حركة تحرر لشعب يرزح تحت الاحتلال وفي المنافي ، لا ينفع فيها البحث عن "الحل" و "التسوية" بل كلا الطرفين يبحث عن النصر، فالصراع العربي الصهيوني لم يكن في يوم من الايام صراعا على الحدود والمناطق.
القوانين والتشريعات التي تجرّم الجبهة الشعبية وحركتي حماس والجهاد وحزب الله وغيرها تتلخص في قانون معروف يسمى "الدعم المادي للمنظمات الأجنبية المدرجة على لوائح الارهاب " الذي يحاول "الخواجا أرادن" وزملائه الاستقواء به ضد حركة المقاطعة وعبر حلفائهم في واشنطن ولندن وباريس وغيرها من عواصم غربية، هذه قوانين وتشريعات تصدر في العادة عن وزارات المالية تحديدًا، هدفها "تجفيف مصادر الارهاب" لكن ما يريده كيان العدو صار يتجاوز تجريم "الدعم المادي للمقاومة" فقط إلى تجريم الموقف السياسي ذاته في محاولة يائسة منه لتجريم النضال الوطني الفلسطيني وتفريغ أهدافه المشروعة جملة وتفصيلاً.
وإذا كان العدو الصهيوني يفشل على " جبهة السجون " بسبب تماسك جبهة الأسرى الدّاخلية وتجربتهم النضالية التاريخية الطويلة إلا أن هذا يستدعي إستنفار الطاقات الوطنية في الخارج وتوفير الحاضنة الشعبية العربية والدولية حتى تستعيد الحركة الأسيرة موقع القائد والنواة الصلبة للمقاومة الفلسطينية باعتبارها خط الدفاع الأول عن الشعب وحقوقه. كما أن فشل العدو ومؤسساته أمام حركة المقاطعة يعود إلى يقظة شعبنا وحركة التضامن التي باتت ترفع شعارين أساسيين : المقاومة والمقاطعة.
خلاصة :
الدّفاع عن انجازات وحقوق الأسرى في سجون العدو وكشف جرائم الكيان الصهيوني بحقهم والعمل على تدويل قضيتهم على المستوى الشعبي والرّسمي باعتبارهم ممثلًا شرعيًا للمقاومة الفلسطينية مهمة ذات طبيعة خاصة ومسالة وجودية للشعب الفلسطيني كله وليس فقط للأسرى ومهمة نضالية تعنى الجميع ويستوجب تحويلها إلى أولوية وطنيّة وقوميّة ودوليّة.
الحركة الأسيرة الفلسطينية التي تتعرّض اليوم لحملة مسعورة على يد "جلعاد أردان" قادرة على تحدى فرق القمع الصهيونية الخاصة "ماتسادا" و "درور" و "يمام" وغيرها، بإرادة صلبة وموحدة وهي تقدم لنا مثلا حيًا يوميًا على الوحدة الميدانيّة داخل قلاع الأسر، وعلينا نحن في الخارج أن نتعلم ونستلهم هذا الدرس أيضا فنوحد كافة الجهود من أجل التصدي للعدوان الصهيوني ومحاولاته المستمرة لنزع الشرعية عن نضال شعبنا والمساس بمقاومته الباسلة والمشروعة.
وبات من الضروري أيضا ان تحتل نضالات الحركة الاسيرة موقعها الطبيعي والمتقدم على أجندة حركة التضامن الدوليّة مع شعبنا، من لا يتضامن مع أسرانا لا يمكن ان يكون مع المقاومة ولن يدافع عن شعبنا وحقوقه الوطنية المشروعة.