ليس جديدًا القول بأن من يبدأ الضربة الأولى فقد كسب نصف المعركة، وهذه الضربة لها جملة مواصفات في العلوم العسكرية، أهمها أن تكون مباغتة مفاجئة غير متوقعة، لا في الزمان ولا المكان، لا كمًا ولا نوعًا، وهذا ما قامت به المقاومة في جولة التصدي الأخيرة للعدوان الإسرائيلي على غزة.
توافقت التقديرات الإسرائيلية أن الرد الفلسطيني على تسلل القوة الأمنية شرق خانيونس جنوبي القطاع، سيقتصر على رشقات صاروخية تقليدية على مستوطنات غلاف غزة، لرغبتها بعدم استدراج رد إسرائيلي واسع يدخل الجانبين بمواجهة غير مرغوبة منهما، ولذلك كأن تل أبيب اتخذت قرارها سابقًا باستيعاب الرد الفلسطيني على خرقها لتفاهمات التهدئة حين أرسلت ضباطها إلى قلب غزة.
لم تتوقع دوائر صنع القرار الإسرائيلي أن تذهب المقاومة في ردها على ذلك الخرق إلى ما أقدمت عليه من مفاجأة، تعددت مظاهرها في الجوانب التالية:
1-امتصاص العدوان في ساعاته الأولى، وانتظار عشرين ساعة حتى بدأت ردها، على عكس ما كانت تتحضر له قوات الاحتلال بعد ساعات معدودة من انكشاف أمر القوة الإسرائيلية.
2-اللجوء للمرة الأولى منذ شهور عديدة إلى استخدام صاروخ موجه من طراز كورنيت ضد حافلة عسكرية إسرائيلية على حدود غزة الشمالية، بما لم يكن متوقعا من قبل الجيش، والمفاجأة ذاتها تكررت حين كشفت التصاوير أن المقاومة كان بإمكانها قتل عشرات الجنود داخل الحافلة، لكن صاروخها كان بغرض الرسالة أكثر من إيقاع القتلى!
3-أبقت المقاومة استهدافها على مستوطنات غلاف غزة، لكنها أضافت لها مدينة عسقلان، وأدخلتها دائرة النار، وأن مدينتي أسدود وبئر السبع هما الهدف التالي، إذا تمادى العدو بقصف المباني المدنية".
4-بجانب توسيع رقعة صواريخ المقاومة، فقد كان لمشاهد القصف والمباني المهدمة وهلع المستوطنين، مفاجأة ميدانية دفعت الخبراء العسكريين الإسرائيليين للقول أن الفلسطينيين استخدموا صواريخ جديدة برؤوس متفجرة أكثر من سابقاتها، رغم ما يشكله ذلك من إمكانية لاستجلاب رد إسرائيلي أشد عنفا.
5-المفاجأة الميدانية المهمة التي تهم كل الأطراف المتحاربة هي صورة الانتصار التي يبحثون عنها، فقد بدأت المقاومة ردها على الخرق الإسرائيلي، وهي التي أنهتها، وكأننا أمام كتاب حمل توقيعا فلسطينيا في المقدمة والخاتمة، من خلال عمل دؤوب، ضمن منظومة عسكرية مشتركة.
أخيرًا.. طوت هذه المواجهة صفحتها، وربما ما زال في جوفها مفاجآت أخرى لم يتم الكشف عنها لاعتبارات ميدانية وعملياتية، لكن قادم الأيام قد يفرج عنها لقراءتها وتحليلها.. لننتظر!
المصدر: صحيفة فلسطين