يرى ابن خلدون أن الخطاب التاريخي هو ذلك الخطاب الذي يعيد انتاج التاريخ. وبذلك وفقاً لهذا المعيار نستطيع ان نصف خطبة الحجاج في الكوفة خطبة تاريخية كونها إعادة صناعة التاريخ في العالم العربي بقيادة الدولة الرموية للعالم العربي، وخطاب الرئيس عرفات في الإمم المتحدة حين أعاد البناء التاريخي لمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني، وخطاب السادات في الكنيست الذي غير تاريخ العلاقات المصرية الإسرائيلية، وخطاب بوش الذي أعلن فيه الحرب على العراق وغير بموجبه وجه التاريخ في العالم العربي، وغير ذلك من الخطابات نستطيع أن نصفها بالخطابات التاريخية.
لا شك أن هناك خطابات هامة، وقوية ومؤثرة يلقيها الزعماء بين الفينة والأخرى، لكنه لا يمكن أن يطلق تاريخية، ولو اتسمت بالتاريخية توصف بذلك بعد بيان أثرها على اعادة انتاج التاريخ، ويصفها العالم بالخطاب التاريخي وليس انصار المتحدث أو حتى شعبه.
إننا كفلسطينيين نتسم بنوع من الغرابة، فبعضنا يعلن رفضه للخطاب قبل الاستماع عليه ومعرفة مضمونه، وبعضنا يصف الخطاب بانه تاريخي حتى قبل الاستماع اليه، وبالتالي لا نستند في معايرنا لوصف الخطاب التاريخي او حتى رفضه بمضمونه أو الى المعيار الذي حدده ابن خلدون باعادة انتاج التاريخ، بل نحدد رأينا بالخطاب بناء على رأي مسبق.
بناء على ما تقدم لا أتفق مع من هاجموا خطاب الرئيس محمود عباس في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أن يفحصوا أثره على إعادة إنتاج التاريخ، ولا مع من تغنوا به أيضا ووصفوه بالتاريخي قبل فحص نتائجه.
لا شك أنه إذا كان خطاب الرئيس خطاباً سينجم إعادة إنتاج التاريخ، كأن ينتهي الإحتلال أو تحل بموجبه السلطة الوطنية الفلسطينية او سينجم عنه اسقاط قانون القومية اليهودية أو شيء آحر سيغير بموجبه وجه التاريخ الفلسطيني سيوصفه العالم بالخطاب التاريخي، ولكن إن كان خطاباً لاتتسم نتائجه بذلك يكون خطاباً روتينياً تماماً كما هو خطاب رؤساء 194 دولة أعضاء في جمعية الزمم المتحدة ألقوا خطاباتهم في القاعة الأممية في مقدمتهم الرئيس الامريكي، رئيس أقوى دولة في العالم وخطاب رئيس الوزراء الاسرائيلي حيث لا تتسم خطاباتهم بزنها تاريخية، وهذا لا يعيب خطاب الرئيس فقد كان خطاباً لا يقل في أهميته عن أي خطاب ألقاه أي رئيس في القاعة ذاتها، ففيه زكد على الثوابت لكنه لم يغير وجه التاريخ.
لا اعتقد أن الرئيس ذاته وصفه خطابه بالتاريخي فهو شخصية سياسية تدرك معنى الخطاب التاريخي، لكن من حوله بالغوا بوصفه لدرجة وصفه بالتاريخي قبل إلقائه، وقد يكون ذلك قد جاء في اطار دعمه رداً على من هاجموا الخطاب قبل الاستماع اليه، وبالتالي طغت مناكافتنا الداخلية على همنا الوطني، وهذا انعكس في الخطاب وعلى الخطاب.