غزّة- خاص قُدس الإخبارية: ليس مستحيلًا أبدًا أن ينال الكفيف الدرجات العليا من التفوق، خاصة إذا كان على قدرٍ من الإرادة والعزم، ومقاومة الظروف، وهذا بالضبط ما كان شعارًا رفعته "فداء" حتى أثبتت ذاتها وحققت مرادها بأن كانت "فتاة مثالية مثابرة".
الطالبة فداء محيسن من غزّة (22 عامًا) استطاعت النهوض من سهام المجتمع وإعاقتها البصرية، التي رافقتها منذ صغرها، وأبت إلا أن تكون في مقدمة الركب، فتخرجت من الجامعة الإسلامية، بمعدل امتياز من كلية الشريعة والقانون.
وقالت "فداء"، حول مراحل طفولتها وتفوقها، "في البداية درست في مدارس المكفوفين في المراحل الدراسية، وبعض المعلمات زرعوا بداخلي اليأس والإحباط وكانوا يتحدثون لي مرارًا وتكرارًا أننا سنراكِ على نفس المقعد في السنة القادمة"، مضيفة "كانت الكلمات تذبحني وتحطم معنوياتي، لأن لدي طموح بأن أصبح مثل الطالبات المتفوقات، وأحصل على شهادة خالية من كلمة راسب".
وأضافت لـ"قُدس الإخبارية"، أنها تعرضت للرسوب في سنة دراسية، متابعة "الرسوب في المراحل الأولى شكّل حافًزا لي، في تعلّم القراءة والكتابة، واستطعت التغلب على هذه المشكلة في الصف الحادي عشر وبدأت حياتي بالتغير فعلًا، حيث تحوّل المعدل من المقصر إلى الجيد".
وتابعت: "عند وصولي إلى مرحلة الثانوية العامة "التوجيهي"، راهن الجميع على فشلي مجددًا وأنني سأحصل عليها بعد ست سنوات، وهذا لم يزيدني إلا تحدٍ وإصرار على مواصلة طريق المثابرة، فحصلت على معدل 89 % الأمر الذي شكل صدمة للكثير، وزادني ثقة بنفسي وطموحًا بتحقيق النجاحات.
وبعد المراحل المدرسية، والنجاح في الثانوية بدأت مرحلة جديدة للمستقبل، فقالت "قررتُ الالتحاق في الجامعة الإسلامية تخصص شريعة وقانون، وتعرضت في البداية للخجل والعزلة كوني من ذوي الإعاقة وعدم مقدرتي على القراءة من الكتب المصغرة أسوة بغيري من الطالبات"، مضيفة "كانت أيامٌ صعبة".
لم تدم تلك العقبات طويلا بعد أن وجدت التقنيات المساعدة التي قدمتها الجامعة من خدمات صوتية وكتب مكبرة، حيث حصلت على معدل "امتياز"، في الفصل الدراسي الأول، و"بدأت الدنيا تبسم لي وأنا أحصد ما تمنيت"، تقول فداء.
الطموح لا يتوقف، تؤكد فداء المثابرة، وهي تشير بيدها إلى الأمام "المشوار لم يتوقف عند دراسة البكالوريوس، وآمل الحصول على الماجستير والدكتوراة، فلا صوت يعلو فوق صوت الإرادة والتحدي".
ولم تنسى الطالبة المجتهدة أن تشكر كلّ الذين دعموها مقابل معلماتها المحبطات، ومثبطي الهمم، موجهة الشكر لعائلتها لوقوفهم بجانبها طوال المراحل الدراسية التي مرت بها، "لم يشعروني أنني من ذوي الإعاقة البصرية"، إضافة إلى مركز التقنيات وجميع العالمين الذين يسخرون جهدهم لخدمة ذوي الإعاقة.
ودعت الطالبة فداء ذوي الإعاقة إلى ضرورة التخلص من الخجل كونه سبب مباشر في فشلي في بداية المراحل الدراسية، قائلةً إن الإنسان معاق الفكر والأخلاق وليس معاق البصر والسمع.
من جهتها، قالت منسقة مركز التقنيات في الجامعة الإسلامية نسمة الغولة إن الطالبة فداء مجتهدة ومتفوقة في دراستها بالرغم من إعاقتها البصرية التي كانت تعاني منها منذ الصغر، وهو ما كان له الأثر في ضعف التحصيل العلمي في مراحلها الدنيا، جراء الخجل والعزلة".
وأضافت لـ"قُدس الإخبارية"، "بعد التحاقها في الجامعة الإسلامية وتناوبها على مركز التقنيات التي كنت أشرف على متابعتها شخصيا استطاعت التأقلم مع صديقاتها الكفيفات من خلال دمجها في الأنشطة والفعاليات لكسر حاجز الخجل والعزلة لديها، وهو ما ساهم في تعزيز شخصيتها ومستواها العلمي".
وأوضحت أن المركز كان يوفر لها الكتب المكبرة، نظرًا لأنها تعاني من ضعف شديد في الإبصار، إضافة إلى تسجيل الكتب إلى صوت عن طريق تحويلها من نص ورد ثم إلى صوت وتخزينها على جهاز الكمبيوتر لتساعدها في عملية القراءة والتعلم.
كلّ ما فعلته "فداء" هو أنها حوّلت الشعارات إلى واقع وحقيقة بالفعل، ورفعت صوتها عاليًا هذه المرة لتقول إنها ليست "معاقة" لأنها كسرت إعاقتها بالفعل وتفوقت على نفسها وأقرانها ومجتمعها، ضحكت ثم ثنت ذراعها مظهرة بطولتها :"لقد غلبتُ المبصرين".