تتدافع التحليلات وتوقعات الساسة والمتابعين في ظل مشهدٍ ضبابي يلف المستقبل القريب لقطاع غزة، عقب تلقي “إسرائيل” ليلة أول أمس ضربة قوية على يد المقاومة، عقب قصفها لأهداف في القطاع تحت ذريعة الرد على الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، التي كبدت القطاع الإقتصادي الإسرائيلي خسائر قدرت بقرابة المليون شيكل، والتي تم تشبيهها بالصورايخ وقذائف الهاون، لما شكلته ألسنة اللهب المتصاعدة من خوف وقلق في صدور سكان مستوطنات الغلاف.
ويشير ذلك الى أن كلٍ من فصائل المقاومة و”إسرائيل” يقفان على هاوية الحرب، ويتمسكان بخيوط لعبة خطرة ــــ لتحقيق التوازن بينهما والسبق للأخذ بزمام الأمورـــ قد تؤدي الى إنزلاق لحرب لا يحبذها الجانبان، ذلك في ظل تزايد القناعات التي تأكد على أنه لن تحل معضلة غزة من خلال حرب قادمة بل من خلال فك الحصار الذي بات محل تفكير لدى الكثير داخل البيت السياسي الإسرائيلي – وهذا ما تسعى له المقاومة-.
بالرغم مما ذكر إلا أن هنالك عدة اسباب تجعل من المواجهة سواء كانت محدودة أو واسعة أمراً قد يقع في المستقبل القريب، مع التأكيد بأن المؤسسة العسكرية تسعى للعودة إلى الوضع الطبيعي ومنع التدهور الأمور نحو حرب جديدة، ويُمكن تلخيصها فيما يلي:
أولاً: لا طاقة لــ “إسرائيل” بالإستمرار في ظل حرب الإستنزاف اللامعلنة، والتي تتمثل في وسلية الطائرات والبالونات الحارقة، فمن المعلوم بأن “إسرائيل” إعتادت على إستراتيجيات المواجهة المباشرة أوالعمليات الخاطفة وبالتالي فإنها غير مستعدة لدفع أثمان باهضة، أو أن تقف موقف المتفرج إن فقدت الوسائل الأخرى في الحد من تلك الظاهرة المتنامية.
ثانياً: إستراتيجية “القصف بالقصف” التي تنتهجها المقاومة في تعاملها مع الاحتلال، حيث اضفت على مجريات الأمور أكثر تعقيداً بالنسبة لـ “إسرائيل”، وبدا ذلك واضحاً ن خلال تصريحات قادة المؤسسة العسكرية التي تشير الى مدى الإرباك الذي كونته تلك الإستراتيجية، بعد أن كانت تمتص غضب الشارع الإسرائيلي بإستهداف المواقع الخالية.
ثالثاً: ارتفاع وتيرة الأصوات المطالبة “بالرد على الطائرات الحارقة” وإستهداف مطلقيها، ليس من داخل أوساط المجتمع فحسب، بل من داخل الأروقة السياسية والعسكرية، والتي بدورها ايضاً تصف الحكومة بالجبن والخوف من خوض أي مواجهة عسكرية مع غزة، حتى وصل الأمر بالدعوة من قبل المعارضة وعلى لسان زعيمها “آفي جباي” بإجراء إنتخابات مبكرة، لإن إستمرار هكذا حالة قد يفقد حزب الليكود الكثير من أصوات الناخبين، في ظل إستطلاعات الرأي المتتالية التي تشير الى تقدم نيتنياهو وحزبه في أي إنتخابات قادمة.
رابعاً : أرهاصات فشل المساعي الإسرائيلية في إيجاد حلول سريعة تحت رعاية دولة تهدف الى التخفيف المحدود من حصار غزة، والتهرب من مسؤولياته، حيث تعلم “إسرائيل” علم اليقين بإن الخيار العسكري يمكن أن يكون حلاً إضطرارياً في حال إستمرار الأوضاع الإنسانية الآخذ بالتفاقم.
مضافاً الى ما قدم سابقاً فإنه ومن الممكن أن يعتبر الدعم الأمريكي المطلق لـ “إسرائيل” أحد الأسباب التي قد تُعجل بأشعال فتل مواجهة، وذلك في حال فشلت أمريكا في إسكات غزة بطرق دبلوماسية مغلفة بمبادرات فك الحصار والدعم الإقتصادي للقطاع، والجدير بالذكر بأن عدداً من الجنرالات في الجيش الأمريكي قد قاموا بجولة تفقدية لمستوطنات غلاف غزة، أضف الى ذلك إنشغال العالم بمسابقة كأس العالم المنعقدة في روسيا وهذا أمر ذات أهمية لدى صناع القرار.
إذاً في ضوء ما ذكر من أحداث متدحرجة في الميدان فإن خيارات “إسرائيل” آخذة بالإنحسار، ولايوجد أمامها سوى الإنجرار مكرهة الى عملية عسكرية في القطاع تكلفها الشيء الكثير في ظل التنامي المستمر للترسانة العسكرية التي تمتلكها المقاومة، أو التنفيذ السريع لخطوات جادة تؤدي الى تحسين ملموس على الواقع الإقتصادي في القطاع، وممارسة ضغط أكبر على السلطة الفلسطينية وإجبارها على رفع عقوباتها المالية التي فرضت قبل عدة أشهر.