بكل حماسة توجهتُ إلى القدس لإحياء ليلة القدر، وهذه المرة الأولى التي أحييها في رحاب الأقصى، قررت أن احتمل المشقة أياً كانت، وأن أخوض التجربة رغم الحاح الكثيرين حولي أن الأوضاع ستكون متعبة جداً، إلا أن الشوق الي القدس وروحانية المكان ظلّت تلحّ عليّ أن اذهبي.
في الطريق الى القدس لم يتوانَ الاحتلال في وضع عقباته المميتة على الفلسطينيين، من حواجز حديدية وساحات ضيقة لا تتسع لجهور الشعب الفلسطيني الذاهب إلى القدس لإحياء ليلة القدس السابع والعشرين من شهر رمضان، ولا داعِ لتبديد ما يسميه الاحتلال أن هناك "تسهيلات" في ليلة القدر، فالذي يدرك معنى كرامة العيش يدرك أن الاحتلال قرر أن يحوّلنا إلى "قطيع من الأغنام الذي يجب أن يساق لأوامره"، ولكن نقول الاحتلال يبقى في النهاية احتلال مهما فعل، فكره صهيوني بحت، أفعاله نامية عن حقد استعماري وعقيدة مشوّه بالحق المشوّه الذي يعتقدونه أصلاً، ولكن ما يصيبك في مقتل أن يؤيد الفلسطيني فعل الاحتلال ضد الفلسطيني الآخر، وضد امرأة فلسطينية بالتحديد.
خلال ساعات الانتظار التي قضيناها على حاجز قلنديا في انتظار أن يقرر جنود في جيش الاحتلال –أشك أنهم بشر-، جمع غفير ما بين رجال ونساء وأطفال، وبعد نحو ساعة ونصف إحدى السيدات ضاق بها الحال فقررت القفز عن إحدى الحواجز الحديدية القصيرة التي تمنع الفلسطينيين من الوصول الى باصات النقل الى القدس، وعندما انتبه جندي الى فعلها جاء من بعيد يصرخ، ليس مهماً أن يصرخ الجندي لقاء هذا الفعل أو غيره.
فهو بالأحرى يمارس العواء في نظري أياً كان وكيفما كان، ولكن أن يكون بين الجموع الفلسطينية "رجل" -وأضعها بين الأقواس متعمدة ذلك لأني شككت في حقيقة كونه رجل أو شبيه الرجال-يقول بملئ فمه "معه حق يمد ايده عليها كمان" كانت صدمة لجمع غفير من النساء اللواتي اعتقدن أن الرجال سيكونوا حماة لهم تجاه أي تصرف من جيش الاحتلال، كانت قاسمة ظهر حقاً، هذه الكلمة –شخصياً- أماتت المعتصم الذي نحلم أن نراه في شبابنا، أماتت المعتصم مجدداً، أماتت المعتصم الذي نراهن عليه كل يوم وكل حدث أنه سيكون حيّاً في عقول شبابنا.
المصيبة في نظري –كفتاة- أن الذي قال هذه الكلمات كان يصطحب زوجته وطفله، ظللت صامتة أفكر في قوله، بأي حق قاله؟، وضمن أي أخلاقيات وطنية قالها؟، ووفق أي شريعة أخلاقية واسلامية ينصر جندي على امرأة ؟، وديننا الذي يقول دوماً "فكوا العاني" كيف يمكن أن نتقبل قوله وهو لم يفك العاني فحسب، وإنما ناصر جندي احتلالي على مَن يمكن في يوم من الأيام أن تكون أسيرة في سجون الاحتلال الفاشي، فالمرأة كانت متجهة لإحياء ليلة القدر في الأقصى، لم تتجه الى مقاهي "تل أبيب" حاشاها!، فعلاً بأي ضمير قالها؟!.
تخيلتُ لو أن أمراً ما حدث ظلماً لزوجته من جنود الاحتلال، فكل فلسطيني معرض لكل فعل ظالم من الاحتلال، ماذا سيكون موقف هذا "الرجل" حينها ! وكيف استهان هذا "الرجل" بكلمته الفظة هذه أمام طفله الذي يعتقد أن والده على حق دوماً، وبالتالي سيقول ما قاله والده ويعتقد به، وهذه الطامة الكبرى، أن ننشئ جيلاً لا يدافع عن المرأة الفلسطينية إحدى أعمدة القضية، إنما يستسهل اعتداء الاحتلال عليها ويباركه أيضاً.
هذه الحادثة ربما أجابت عن سؤال المتكرر "كيف يسهل على الفلسطيني أن يرى المرأة تُساق الى الأسر دون حراك منه؟ كيف يقبل أن يهين جنود الاحتلال امرأة أمامه ولا يحرك ساكناً في أغلب الأحيان؟، كنتُ أبرر ذلك بخوفه على عائلته التي اذا ما ناصر المرأة سيقضي إما أسيراً أو شهيداً.
ولكن أن يكون المبرر هو رؤية فعل الجندي تجاه الفلسطينية "معه حق" لم أستطع تقبلها، ويا ليتني بقيت على مبرراتي السابقة مقتتني كل العقبات التي وضعها الاحتلال أمامنا، ومقتني أكثر هذا التصرف، ما جعلني أن أررد في دعائي "أن يا رب اجعل من شبابنا من هو معتصم بحل دينه، معتصم بفكره مؤمناً بحقه.
اجعل من بين الشباب من هم معتصمين بمبدأ الحرية حتى الموت، مدافعين عن كرامة المرأة الفلسطينية لأنها من كرامتهم، اللهم لا تجعلنا نشقى "بما قال السفاء منا" لا اريد تعميم هذه الظاهرة على جميع الرجال الفلسطينيين، فهنالك أحرار حقاً يُطلق عليهم وصف الرجال، ففي ذات الواقعة كان رجال يحاولون تذليل العقبات أمام النساء، ينظمون الصفوف، وداخل الاقصى كانوا الرجال المسعفين والمنظمين يعملون على خدمة كل مَن قصد قدس الإسراء لإحياء ليلة القدر، عملوا بحق وجزاهم الله كل خير.