منذ انطلاقها، ووصلها إلى ذروتها أمس، لا زالت مسيرات العودة، تفاجئ الاحتلال الإسرائيلي، رغم فاتورة الدم القاسية، وبقاء الفلسطيني وحده في الميدان، دون وجود مساندة حقيقية، ولو على مستوى التصريحات.
ومن خلال متابعة ردود الفعل الإسرائيلية، الصادرة من خلال الوسائل الإعلامية، أو التي خرجت كنتائج لاجتماعات أمنية وسياسية، رصد مركز القدس، ورغم وجود الاحتفالات بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، حالة من التفاعل الإسرائيلي الممزوج بتخوّف كبير، حيال ما كان يحدث على الحدود مع قطاع غزة، حيث رصد المركز:
أولاً: حالة رعب كبيرة في المستوطنات المحيطة بقطاع غزة، وعدم وجود روتين حياة طبيعية، رغم مطالبة الجيش للجمهور بضرورة الهدوء وقضاء يوم روتيني.
ثانياً: وصول كبار قيادات الجيش إلى الحدود، وتوزع بعضهم على المستوطنات المحيطة بغزة، مع استمرار تأكيدهم استعداد “إسرائيل” الجيّد لمواجهة المسيرات.
ثالثاً: التأكيد على أنّ النفس الغزي بات الأكثر خطراً على الدولة العبرية، وأنّ غزة باتت تمتلك إلى جانب المقاومة، روح شعبية تحتضن المقاومة وتتبنى فكرها.
رابعاً: وصول “إسرائيل” إلى قناعة راسخة أنّ انفجار غزة لن يكون إلّا في وجهها، ولن يكون في اتجاه مصر أو المقاومة في الداخل.
خامساً: الجيل الحالي هو الأكثر شراسة، وقد بان ذلك من خلال ما أبداه في ساحة المواجهة، رغم كونه أعزلاً لا يحمل السلاح.
سادساً: التخوّف الإسرائيلي الكبير من أنّ فاتورة الدم الكبيرة، ستؤدي إلى ردود فعل عالمية تشوّه الصورة الإسرائيلية، والتخوّف الأكبر كان أن ذلك سيكون قرب الشعوب وليس الأنظمة.
سابعاً: السؤال الأبرز كان، هل ستستمر هذه المسيرات وإلى متى، وما الحل معها، وكيف يُمكن اسكات غزة؟.
ثامناً: تخوف حقيقي أن تلك المسيرات ستقود إلى ردود فعل في الضفة، وإن لم تكن على مستوى مشاركة جماهيرية فاعلة، فقد تكون من خلال عمليات فردية ضد أهداف إسرائيلية.
تاسعاً: اجماع الكثيرين على تحميل حماس المسؤولية، مع التأكيد في نفس الوقت على ضرورة الوصول لتفاهمات مع حماس، لإنهاء الحصار، لأنّ ذلك هو الشيء الوحيد الذي يكفل إيقاف المسيرات.
عاشراً: رفض الإعلام العبري وجود ردود فعل عربية، والتأكيد على أنّ “إسرائيل” آلة قتل رحيمة إذا ما قورنت بالأنظمة العربية التي قتلت مئات الآلاف من شعوبها.
أهم ما رصده المركز، كان الحديث الإسرائيلي عن ضرورة القضاء السريع على ظاهرة المسيرات، وربما أنّ استخدام القوّة المفرطة من جيش الاحتلال، ينم عن قناعته أنّ كلا الطرفين، المقاومة و”إسرائيل”، لا يريدان حربا خلال تلك الفترة، إلّا أنّ النفس الذي ابدته القيادة الاحتلالية، يُشير إلى أنّ استمرار المسيرات لا يجب أن يكون هو الروتين العام الذي يجب أن تحيياه المناطق الفلسطينية المحتلة.
وهذا يقود إلى العقيدة الاحتلالية، وكذلك الاستراتيجية العسكرية، منذ أن صاغها بن جوريون، أول رئيس للوزراء في دولة الاحتلال، وصولاً إلى رابين بيجن ومن تبعهما، بأنّ على “إسرائيل” أن تحافظ على وجود هدوء مستمر لإقناع اليهود بالهجرة، وفي حال فُرضت عليها المواجهة، فيجب أن تكون تلك المواجهة قصيرة وسريعة وغير مستمرة.
وبالعودة إلى كلام ايلي يشاي الزعيم السابق لحزب شاس الحريدي، والذي أشار منتقداً اليهود في “إسرائيل”، ونافياً عنهم صفة الإخلاص للدولة، حيث قال أنّ الربع من اليهود فقط هنا، هم من العقائديون، فيما ما تبقى منهم جاء للأمن والاقتصاد، وليس ارتباطاً بدولة الآباء والاجداد على حدّ وصفه.
لا يُمكن انكار أنّ فاتورة الدم الفلسطيني النازف ثقيلة، وما يزيد ثقلها إدارة الظهر العربي والإسلامي للقضية المركزية، إلّا أنّ العزاء أنّ هذه هي الفاتورة الطبيعية للتحرر والخلاص من الاحتلال، وإن كان الألم الفلسطيني المستمر، ينكأ جراح الماضي والحاضر الفلسطيني، إلّا أنّه في نفس الوقت يبقى الشاهد الفلسطيني على المحرقة الإسرائيلية بحقه.
ختاماً، استخدم الاحتلال أمس أعتى درجات القوّة، على أمل ألّا يعود الفلسطينيون للتحرك في الساحات المختلفة، وتحديداً على حدود غزة، لكن الاستمرار هو ما يخشاه الاحتلال، والنفس الطويل فلسطينياً هو العامل الأكثر ارهاقاً لتل ابيب، التي تريد مواجهات على مقاساتها، قصيرة، سريعة تعتمد على التكنولوجيا العسكرية، التي من خلالها تدمر وتهدم، وتريد من الخصم رفع الراية البيضاء.
ومن بين السطور رصد مركز القدس، أنّ الاحتلال في النهاية سيرضخ لمطالب الغزيين، فقد بات على قناعة أنّ عودة الهدوء المؤقت للحدود، لن يكون إلّا من خلال رفع الحصار، وهذا يتطلب من القيادة الفلسطينية، التي ستجلس ربما قريبا للوصول لتفاهمات، أن تكون حذرة، من السقوط مرّة أخرى في مربع الوعود الكاذبة.
المصدر:مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني