انطلقت مسيرات العودة بالأخص في قطاع غزة للتأكيد على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم في الأرض المحتلة منذ عام 1948. وهي مسيرات ضرورية وحيوية من أجل بعث الوعي الفلسطيني والعربي والإسلامي بهذا الحق، ومن أجل تحريك هذا الحق على الساحة الدولية في ظل ظروف عالمية تشهد تركيزا على حقوق الإنسان وبالذات حق عودة اللاجئ إلى وطنه وبيته بأسرع وقت ممكن.
حق العودة الفلسطيني هو أول ثابت فلسطيني ومقترن بالثابت الثاني وهو حق تقرير المصير. وقد أصيب الحقان بضربة قوية وانحسرت مكانتهما في النفوس بعد اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بالكيان الصهيوني، وبداية مرحلة البحث عن دولة ضمن ما عرف بحل الدولتين. لقد تصدرت فكرة حل الدولتين المشهدين السياسي والديبلوماسي، وانساق الفلسطينيون خلفها لتطغى على حق العودة وحق تقرير المصير، ولتصبح مسألة إقامة الدولة ثابتا بديلا على الرغم من أن إقامة الدولة مشمولة بحق تقرير المصير.
الاعتراف بالكيان الصهيوني يتغذى على حق العودة على الرغم من إطلاق فلسطينيين تصريحات إعلامية تؤكد على حق العودة. حق العودة يعني إحداث تغيير جذري على المعادلة السكانية في الكيان الصهيوني، والذي هو عمل من أعمال السيادة. وليس من المنطق أو القانون أن يطلب من يعترف بالكيان تغيير معادلته السكانية لأن في ذلك اعتداء على سيادة تعترف بها الأمم المتحدة ويحميها القانون الدولي. أي أن الذي يعترف بالكيان لا يريد حق عودة حتى لو صرح إعلاميا بغير ذلك.
وعليه كان لا بد من إحياء ثابت حق العودة، والتركيز عليه في مختلف النشاطات الفلسطينية على مختلف الساحات. فكانت المبادرة التي أطلقها فلسطينيون وساندتها فصائل فلسطينية وأعطت المسيرات زخما شعبيا واسعا.
المسيرات تؤكد أن لا حل للصراع الدائر في المنطقة العربية الإسلامية ما لم يحصل اللاجئون الفلسطينيون على حقوقهم بالعودة وتعويضهم عن سنوات المعاناة الشديدة التي ألمت بهم في مخيمات اللجوء. ولهذا لا قيمة لأي مبادرة سياسية لا يتصدرها مبدأ حق العودة. ومن المفروض أن يرتفع شعار فلسطيني يقول أن لا حل ما دام هناك فلسطيني واحد يريد العودة إلى وطنه ولا يستطيع.
هناك من يقول إن هذه المسيرات عبثية ولن تنتهي بنتيجة يرغبها القائمون عليها. ويقولون إن الفلسطينيين يقدمون التضحيات وتصاب مصالحهم بالكثير من الخسائر دون جدوى. وهنا أذكر من سيرة اليهود. طرد الرومان اليهود من فلسطين عام 135 م، لكن اليهود بدأوا بغزو فلسطين مع جمعية أحباء صهيون عام 1882، أي بعد حوالي 1750 عاما. والسبب أن اليهود أصروا على توحيد أنفسهم ثقافيا حتى لا يذوبوا بالأمم الأخرى، وحتى لا ينسوا ما يقولون إنها مقدساتهم. هناك منا من يئس واعتبر سبعين سنة مدة طويلة، ويحاول أن يدير ظهره لقضية شعب موجود وأجيال قادمة. المسيرات لن تحرر فلسطين الآن، لكنها على الأقل تبعث الوعي في نفوس وعقول الفلسطينيين من أجل التمسك بوطنهم مهما طال الغياب.
لكن حتى تؤتي المسيرات أكلها لا بد من التالي: 1- من المفروض توسيع المشاركة في هذه المسيرات لتشمل كافة أماكن تواجد الشعب الفلسطيني. كانت غزة هذه المرة هي الرائدة في الحشد الجماهيري، لكن هذا لا يكفي، والمطلوب توفير البيئة السياسية الصالحة خاصة بالضفة الغربية من أجل توسيع المشاركة الجماهيرية. طبعا الضفة الآن تحت انتداب غير وطني، وتعاني بشدة من ضعف الالتزام الوطني، والأمور لا تبقى على ما هي عليه.
2- من الضروري مواصلة هذا النشاط وبأشكال مختلفة حتى لا يكون لمرة واحدة فقط ويضيع أثره، وتعود الذاكرة إلى الغياب من جديد. وكما عمل الأمريكيون على إضاعة حق العودة في خضم البحث عن حل دولتين، علينا نحن أن نستمر في بذل الجهود ليطغى حق العودة على ما سواه من أفكار تستهدف تصفية القضية الفلسطينية.
3- الحركة الجماهيرية بحاجة لرافعة سياسية من قبل القيادات السياسية للفصائل. المفروض أن تكون السلطة الفلسطينية رافعة تحمل همّ اللاجئين الفلسطينيين إلى العالم، لكن السلطة الفلسطينية القائمة الآن في الضفة الغربية غير مؤهلة للقيام بأدوار وطنية.
4- ومطلوب أيضا وضع منهاج ثقافي لكل الفلسطينيين يستهدف الأجيال من روضة الأطفال حتى أقصى درجات التحصيل العلمي. رياضنا ومدارسنا وجامعاتنا لم تعد حريصة على التثقيف الوطني إلا بالنزر اليسير. ومثلما وحد اليهود أنفسهم ثقافيا نحو فلسطين، علينا نحن أن نوحد أنفسنا ومعنا العرب والمسلمين حتى نبقى أوفياء لوطن اغتصب. لكن المؤسف أن دور علمنا تحت سيطرة سلطة التزمت للكيان الصهيوني بمكافحة ما يسمى الإرهاب بما في ذلك الأفكار والبرامج الوطنية. فماذا نعمل؟ إنها مسؤولية المدرسين في كل مدرسة وجامعة لتغطية النقص وإثارة الانتماء والالتزام لدى الطلاب والطالبات. يجب أن يتمرد المدرسون على الرؤى السياسية الخارجة عن النص الوطني لكي يبقوا نبراسا للتحدي ورفض الخنوع.