أطلعني صديق على رسالة وصلت إليه من جنين حول استشهاد "الأحمدين" أحمد نصر جرار وأحمد إسماعيل جرار، وهما ابنا عم، وقد اشتركا إعدادا وتنفيذا في "عملية نابلس"، وما تلاها من مطاردة ومواجهات واستشهاد.
وقد طلب أن تُنشر هذه الرسالة، وذلك من أجل المزيد في إظهار دور أحمد نصر ورمزيته من جهة، وتوضيحا لدور ورمزية شريكه أحمد إسماعيل جرار الذي لاقى التناسي والتجاهل، بسبب تنكر قيادات من فتح لمشاركته (وهو ابن فتح) في "عملية نابلس"، ولشهادته ودوره جنبا إلى جنب مع ابن حماس أحمد نصر، من جهة ثانية.
لقد اشترك "الأحمدان" في الإعداد للعملية التي عرفت بعملية نابلس، واشتركا في تنفيذها، وطوردا بعدها معا، واشتبكا معا في المواجهة الأولى مع جيش العدو، وقد استشهد فيها أحمد إسماعيل، وأفلت أحمد نصر تحت النيران، ليواصل مسيرة الاختباء التي كان قد أعد لها الأحمدان قبل المعركة التي فاجأتهما.
هنا يجب أن يشار إلى الرمزية المهمة جدا جدا؛ للشراكة التي نسجها الشهيدان باعتبار الشهيد أحمد نصر جرار من حماس وأحمد إسماعيل جرار من حركة فتح، وقد تجاوزا ما بين فتح وحماس من صراع وانقسام، ليتوحدا ضد الاحتلال والمستوطنين عبر عملية واحدة مشتركة، ومسيرة مطاردة واستشهاد، ولعل إقدام أحمد إسماعيل على هذه الشراكة أبعد مغزى بسبب تحديه لقرار محمود عباس فيما يتعلق بتصفية المقاومة المسلحة، ومناهضة الانتفاضة وأية مواجهة لقوات الاحتلال والمستوطنين.
إن اتفاق الأحمدين اجترح نموذجا قويا لعمل مقاوم مشترك أقدم عليه قسّامي ابن قسّامي، وفتحاوي ابن فتحاوي أصيلان، التقيا وتوحدا على أرض المقاومة والانتفاضة.
إلى هنا، ينبغي للمجال أن يُفسَح لنقل الرسالة كاملة، كما وردت حرفيا: وجاءت تحت عنوان: أحمد نصر "شبح جنين".
أحمد نصر.. شبح جنين
أربكت العملية التي نفذها الشهيدان الأحمدان جرار، قوات الاحتلال ودوائره السياسية، فمنذ اليوم الأول للعملية (6/1/2018)، اتسمت إجراءات الاحتلال بالتخبط والعشوائية والانتقامية وعدم التوقع وانعدام المعلومات، فحاصرت الشمال الفلسطيني بأكمله، خصوصا نابلس، اعتقادا منها أن منفذي العملية من نابلس، ولولا المعلومات التي قدمها المنسق الأمني، لربما نجحت خلية العملية بالاختفاء والتخطيط لعمليات أخرى.
الشهيدان أحمد إسماعيل محمد جرار، وأحمد نصر محمد جرار
– الجد محمد: أحد أبطال ثورة 36
– الأب: إسماعيل، أحد رواد الانضمام لحركة فتح، وبعد مجيء السلطة رفض أي امتيازات أو رتب أو وظائف، وأصر على استمرار العمل في الزراعة، وفي انتفاضة الأقصى نذر "التراكتور" الذي يملكه لمساعدة السيارات العالقة في وحل السهل بعد أن أغلقت قوات الاحتلال الشوارع، وكان يجر السيارات من الساعة السابعة صباحا حتى الرابعة عصرا مجانا.
– الأب: نصر جرار، أحد قادة كتائب عز الدين القسام في منطقة جنين، الذي نشط في إعداد العبوات والأحزمة، والذي طارده الاحتلال ولم يظفر به رغم رجليه المبتورتين ويده المشلولة، واستشهد مشتبكا بعد أن دوّخ الاحتلال.
– الابن: أحمد إسماعيل: أحد منتسبي حركة فتح ونشطائها، وهناك قضية مرفوعة ضده عند الشرطة الفلسطينية بتهمة حيازة سلاح غير مرخص.
– الابن: أحمد نصر: شاب من منتسبي حركة حماس، ظاهريا لا نشاط سياسي أو أمني له، وبحكم همته العالية، كان دائم الانتقاد لتقاعس الفصائل عن القيام بدورها نجاه شعبنا وتجاه القدس.
خطط الشهيدان لعملية قتل المستوطن ولغيرها بقرار فردي منهما، إذ أنهما ينتميان لتنظيمين مختلفين، ولا تنسيق بين التنظيمين على مستوى تنفيذ المهام النضالية، ونفذ الشهيدان العملية بسيارة مسروقة ونجحا باغتيال المستوطن وعادا أدراجهما سالمين، ولعلمهما بوجود كاميرات الشوارع، قاما في أثناء العودة بالمرور أمام الكاميرات التي يعرفونها في أماكن مختلفة للتضليل ولمنع الاحتلال من تحديد مسارهما، ونجحا في ذلك، إذ لم يستطع الاحتلال تحديد الوجهة الأخيرة للسيارة أو مكان اختبائها، وأخفيا السيارة في بيارة تعود ملكيتها لعائلة جرار في وادي برقين.
وكاد الستار ينسدل على العملية، لولا تبرع أحد منتسبي جهاز الأمن الوقائي برصد السيارة، وتقديم تقرير لجهازه الذي مرّر المعلومة إلى الجانب الصهيوني؛ الذي أخبر الجهاز أنهم يبحثون عنها، وفي تلك الأثناء، قرر الشابان إعدام السيارة، فذهب أحمد نصر على دراجة نارية واشترى قنينة بنزين من كازية حيفا في جنين، ومن ثم قاد السيارة إلى السهل وأحرقها ليلا، وشاهد العملية أحد أفراد شهداء الأقصى السابقين، إذ إن عملية الإحراق وقعت في منطقة يخزن فيها أغراضه، وأبلغ الأمن الوقائي الذي مرّر المعلومة الثانية للإسرائيليين، الذين كانوا يجندون كل أدواتهم التقنية والتنسيقية للبحث عن منفذي العملية. ومن خلال المعلومتين والسيارة، ضاقت الدائرة على الأحمدين.
تم رصد تحركات الاحتلال في المنطقة، وقرر الشابان الهرب والاختفاء في محافظة بعيدة ورتبا الأمر للمغادرة، وتقريبا دقائق فصلت الهرب عن الاشتباك مع الوحدات الخاصة التي جاءت لاعتقالهما أو تصفيتهما، ففي اللحظة التي غادر بها أحمد نصر بيته في وادي برقين، متجها إلى بيت ابن عمه أحمد إسماعيل، تفاجأ بالقوات الخاصة، فاشتبك معها من الخلف، ليشتبك أحمد إسماعيل معها من الأمام، واستمر الاشتباك مدة 16 دقيقة، استشهد إثرها أحمد إسماعيل، واستطاع أحمد نصر الاختفاء، وبالتزامن مع هدم البيوت، اقتحمت قوات الاحتلال كازية حيفا وصادرت الكاميرات واعتقلت اثنين من العاملين في الكازية.
ظن الاحتلال أنه قضى على أحمد نصر، وأعلن زهوه وانتصاره، ليتبين في اليوم الثاني أن أحمد نصر ما زال طليقا.
توجه أحمد نصر إلى قرية برقين المجاورة، واختبأ في أحد البيوت، ولكن الاحتلال استطاع تتبع آثاره، وحاصر برقين وعاث فيها فسادا، وكانت قوات الاحتلال تهدد عبر مكبرات الصوت أنها ستدمر برقين بيتا بيتا إن لم يتم تسليم أحمد نصر، في هذه الأثناء، تم تهريب أحمد نصر إلى بلدة الكفير التي حوصرت هي الأخرى، ليتم نقله إلى بلدة السيلة الحارثية التي اقتحمتها قوات الاحتلال بأعداد كبيرة، مدعومة بالآليات وبطائرة استطلاع على علو منخفض، وبعد أن أصبح من الخطورة أن يترك أحمد في السيلة، تم تهريبه إلى اليامون وسجل الإسرائيليون (عبر أحد عملائهم) دخوله اليامون، ومن خلال التنسيق الأمني قدم لهم الأمن الوقائي معلومات عن الأماكن المهجورة، التي يمكن أن يلجأ إليها مطارد في اليامون (3 مساكن)، استطاعوا من خلالها الاستدلال على الموقع الذي لجأ إليه أحمد وحاصرته وحدة اليمام الخاصة في الشرطة الإسرائيلية، وطلبت منه أن يسلم نفسه، فخرج حاملا بندقيته وعتاده ليستشهد واقفا مُقبلا غير مُدبِر.