سلفيت - خاص قُدس الإخبارية: لم ينتظر مزارعو "وادي قانا" سوى أقل من 24 ساعة ليتخذوا قرارهم بإعادة بناء عزبة "شقيف دنّان" التي هدمها الاحتلال في الثاني عشر من شباط الجاري، وبدأ تنفيذ القرار الفلسطيني فعلياً يوم أمس الجمعة، بمشاركةِ مجموعةٍ من الشبّان والمزارعين في المنطقة التي يستهدفها الاحتلال على مدار مرّات عديدة.
بلال منصور أحد المشاركين في إعادة بناء العزبة، يقول "اخترنا يوم العطلة لأن لدى الجميع وقت فراغٍ وفي حلٍ من الالتزامات الوظيفية والحياتية اليومية، فتوجهنا منذ ساعات الصباح الباكر، وشرعنا بداية بتنظيف ركام البيت القديم المهدوم، حيث استغرق التنظيف نحو 7 ساعات، ثم بدأنا بعملية إعادة البناء بالحجارة القديمة".
ويضيف، "مزارعو وادي قانا مع أنهم يُثمنّون جهود كل من يقف معهم، إلا أنهم لا ينتظرون أحداً فهم يمتلكون زمام المبادرة، وقادرين على إعادة بناء ما يدمره الاحتلال ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، ونحن نتوقع منذ اتخاذنا لقرار إعادة البناء أن تتم عملية إعادة الهدم، فهذه طبيعة صراع الإرادات مع الاحتلال، وهي تحتاج لصبر، والمزارعون لديهم النفس الطويل، وباسم مزارعي الوادي نقول إننا جاهزون للبناء في حال الهدم مستقبلاً مرة واثنتين وعشرين".
[gallery type="slideshow" ids="140832,140833,140834,140835,140837,140838,140839"]أكبر من عمر الاحتلال
أما تفاصيل هدم الاحتلال لعزبة "شقيف دنّان"، فيرويها نظمي سلمان عضو بلدية ديرإستيا وأحد المزارعين المتواجدين في البيت المهدوم، قائلًا إن قوات الاحتلال حاصرت وادي قانا منذ ساعات الصباح، 12شباط الحالي، وأعلنته منطقة عسكرية مغلقة بقرارٍ رسمي احتلالي، تفادياً للصدامات مع الفلسطينيين، وليتسنى لهم تنفيذ قرار الهدم بأريحية، واستقدمت قوات الاحتلال لهذا الغرض آليات عسكرية من بينها جرافة عسكرية، إضافة لقوة مما يسمى "حرس المحميات الطبيعية".
ويوضح سلمان أن قوات الاحتلال هدمت بناء العزبة القديم المكوّن من منشأة سكنية وأخرى حيوانية وحولتهما إلى ركام، وصادرت كافة محتويات العزبة من أدواتٍ تخص المزارعين، إضافة لدهس رأس من الماشية، وذلك عقب مناوشاتٍ مع الأهالي المتواجدين عند مدخل الوادي، مشيراً إلى أن عزبة "شقيف دنّان" يسكنها أربعة مزارعين، فيما تواجد الفلسطينيون فيها لأول مرة قبل أكثر من 120 عاماً، أي أن البناء موجودٌ قبل قدوم الاحتلال الإسرائيلي للمكان.
من جانبٍ آخر، يذكر سلمان أن اليوم الثاني من هذا العام، شهد إقدام ضباط من جيش الاحتلال على خط شعارات باللغة العبرية في منطقة التين والمناخ بالوادي، ليتضح أن ترجمة العبارة "بروح الديناصور سننتصر"، وغالبا ما تكون عبارة رمزية.
ويضيف سلمان، "وادي قانا أكبر محمية طبيعية فلسطينية في الضفة المحتلة، تقع على الطريق الواصل بين سلفيت وقلقيلية ونابلس من جهة الغرب، ويمتاز بالتنوع الحيواني والنباتي والمائي، والطبيعة الخلابة، ويمتلك مزارعو ديرإستيا غالبية أراضيه، لكن الاحتلال أعلن الوادي محمية إسرائيلية منذ بداية الثمانينات، وأحاط قمم جباله بالمستوطنات من كافة الجهات".
ويطالب المزارعون في وادي قانا الفلسطينيين بضرورة تكثيف وجودهم في الوادي عبر زيارته خاصة مع حلول فصلي الربيع والصيف، لإثبات الوجود الفلسطيني، ولدعم المزارعين أمام الهجمة الاستيطانية التي لم تتوقف يوماً منذ عقود.
"شباطٌ" مُشتعل
في ليلة الأول من شباط الجاري، بدأت الأحداث تأخذ منحنى أكثر سخونة، إذ أصيبت مستوطنة إسرائيلية بجروحٍ بعد رشق مركبتها بالحجارة قرب مدخل البلدة وفقاً لمصادر إسرائيلية، لترد قوات الاحتلال بحملة عسكرية واسعة، وتنتشر بمجموعات كبيرة في مختلف أنحاء الأحياء، وسط إطلاق مكثف لقنابلٍ الصوت والغاز والقنابل المضيئة، وفي هذا الصدد يوضح رئيس بلدية ديراستيا سعيد زيدان أن حملة المداهمات في تلك الليلة تُعد أعنف الاقتحامات وأوسعها منذ عام 2005، حيث طالت أكثر من 80 منزلاً في أحياء مختلفة من البلدة.
في ذات السياق، تقول مصادر محلية إن أحد ضبّاط الاحتلال هدّد خلال تفتيش المنازل باستمرار العقاب الجماعي لكافة أهالي بلدة ديرإستيا، وهو ما تُرجِم فعلياً بعد ذلك بسلسلةٍ واسعة ويومية من الاغلاقات والحواجز.
ويضيف زيدان، "شهد السادس من الشهر الحالي حملة اعتقالاتٍ طالت أربعة شبان من البلدة، ليتبعها جيش الاحتلال بمداهماتٍ واعتقال شابيْن آخرين بعد أيامٍ قليلة، ليصل مجموع المعتقلين من أبناء البلدة في غضون 45 يوماً إلى 8 شبّان".
"حملات المداهمات ليست فقط ما اعتادت عليه بلدة ديرإستيا منذ غرة هذا العام، فالاغلاقات والحواجز سياسة ثابتة، حيث يكاد لا يمر يومٌ على المدخل الغربي للبلدة إلا ويشهد تواجداً لقوات الاحتلال وحاجزاً طيّاراً في المنطقة، يتم خلاله تفتيش المركبات المارة، والتدقيق في هويات المواطنين"، وفقاً لزيدان.
ويوضح زيدان أن المدخل الشرقي الواصل بين بلدتي دير إستيا وكفل حارس، هو الآخر عرضة للإغلاق ما بين الفينة والأخرى، إضافة لمداهمات قوات الاحتلال المتكررة لمحطة وقودٍ هناك، بهدف مصادرة تسجيلات كاميرات المراقبة أو فحصها.
ومن الملاحظ أن عمليات رشق الحجارة والزجاجات الحارقة لم تتوقف عقب الاعتقالات أو إثر الاغلاقات الإسرائيلية، فقد أكدت مصادر الإعلام العبري أن يوم الثلاثاء الماضي –الثالث عشر من هذا الشهر- شهد إلقاء زجاجات حارقة، وفي اليوم الذي سبقه استهدف شبان بالحجارة مركبات المستوطنين في محيط مستوطنة "رفافا" المقامة على أراضي البلدة، في ذات اليوم الذي هدم الاحتلال فيه بيتاً في وادي قانا، واعتقل شابين من البلدة.
ويرى زيدان أن قوات الاحتلال لا تنفك عن استخدام أساليب العقاب الجماعي رغم أنها تمثل سياسة قديمة أثبتت عدم جدواها، "في الاقتحام الأخير للبلدة قبل أيام أجبروا أصحاب معظم المحلات التجارية على إغلاقها، وانتشروا في شوارع مختلفة من البلدة، وذلك بمشاركةٍ من جنود حرس الحدود التابع لجيش الاحتلال".
وتشير مصادر محلية إلى أن مجموعات من وحدة "اليسّام" التابعة لحرس الحدود شاركوا في المداهمة الأخيرة وانتشروا في أنحاء متفرقة من البلدة، "لبث الخوف عند الأهالي والتنغيص عليهم، وإخلاء شوارع البلدة في وقت مبكر من الليل".
يُذكر أن بلدة ديرإستيا تشكل مشهداً مصغراً للصورة العامة لمحافظة سلفيت، التي يتغلغل فيها الاستيطان بصورةٍ كبيرة، حيث أن عدد البؤر والمستوطنات الاسرائيلية يفوق عدد التجمعات الفلسطينية فيها، وتجثم على أراضيها مستوطنة "أريئيل"، وتعتبر الأخيرة أكبر مستوطنة في القدس والضفة بعد تجمع "معاليه أدوميم".