لم أشهد منذ سنوات طويلة الضفة الغربية في حالة ثورة ومعنويات مرتفعة عاليا كما أشهدها هذه الأيام ومنذ أن نفذ الشهيد أحمد نصر جرار عمليته العسكرية بالقرب من قرية صرة بالقرب من نابلس، وكأن الناس كانوا في قاع بئر مظلمة، فأتى جرار بشمعة متوهجة أضاء أركانها وبعث في الناس الحياة.
جرار ليس هو المناضل الوحيد في الساحة الفلسطينية الذي كسر صمت المقاومة وبعثها من جديد، لكنه هو الذي أتى في الظرف المناسب الذي انتظر فيه الناس التمرد على ترهات صالونات السياسة، وفذلكات المفاوض الفلسطيني وتفريطه وتآمر الأعداء كجبهة واحدة موحدة على مصير القضية الفلسطينية.
لقد قرف الناس أنباء المفاوضات، وضجروا الأخبار حول ترامب، وملوا الاستماع إلى تطورات ما يسمى حل الدولتين، وأيقنوا أن كل ما يجري حولهم ليس إلا إلهاء لإبعاد أنظارهم عن حقوقهم الوطنية في حق العودة وحق تقرير المصير، ولهذا أسر جرار قلوب الناس ومشاعرهم وعواطفهم الوطنية والإنسانية، وتحول إلى البطل الرمز الذي حمل السيف في وقته، وتقدم الصفوف بكل شجاعة وإباء.
والذي شاهد مدينة نابلس ليلة السادس من شهر شباط عندما اجتاح الصهاينة المدينة بحثا عن منفذ عملية "أريئيل" التي قتل فيها أحد المستوطنين، يتأكد أن الثورة ملتهبة في الصدور والعقول، والشباب متحفزون لقتال، قال أحد الصهاينة إنهم دخلوا المدينة بحثا عن شخص معين، فوجد المدينة بأسرها في انتظارهم، لقد خرجت مدينة نابلس تدافع عن نفسها وعن ابن فلسطين البار الذي لم تكن تعرف أنه يختبئ فيها، أما جندي صهيوني آخر فقام بتصوير هدير الجماهير الفلسطينية التي تحاصره وسيارته العسكرية، ووعد أن يوزع مالا إن خرج سالما. كادت نابلس أن تأكل جنود الصهاينة، وشباب فلسطين في الخليل والقدس تحفزوا، وشعرت أن الناس سيهاجمون مقار السلطة للاستيلاء على السلاح، ولو توفرت قيادة ثورية جامعة لمختلف الأطياف الفلسطينية لرأينا هزيمة نكراء تلحق بالصهاينة.
الناس في الضفة الغربية بحاجة لمن يؤطرهم ويلم شملهم ويجمع كلمتهم، وهذه هي مسؤولية الفصائل الفلسطينية الموجودة خارج فلسطين، ومسؤولية كل الفلسطينيين خارج البلاد، لقد أخفق الخارج بصورة لافتة في تشكيل قيادة مؤقتة للفلسطينيين تشرف على شؤونهم الأمنية والوطنية والعسكرية والمالية، واكتفى أهل الخارج ببيانات الاستنكارات لما تقوم به قيادة منظمة التحرير على الرغم من أنها كانت تؤكد لها شرعية عدم شرعيتها في كل لقاء يتم بينهما.
لم ينشئ الخارج قيادة عسكرية موحدة، ولم ينشئ صندوقا ماليا لمساعدة المتضررين من الاحتلال ولو جزئيا، ولم يقم حتى في تطوير برامج ثقافية وإعلامية ذات طابع فلسطين عام يستقطب المشاهد الفلسطيني، أي أن مسؤولية الخارج في الإخفاق لا تقل عن مسؤولية منظمة التحرير في تدهور مكانة القضية الفلسطينية.
نحن في الداخل لا نستطيع تشكيل قيادة لأننا في عش الدبابير، من السهل على أجهزة أمن الاحتلال ووكيله ملاحقة الناس وتمزيق أواصرهم وهدم بناهم الوطنية، كنا نأمل عبر السنوات من الخارج أن يطور سندا قويا لما في الداخل، لكن يبدو أن الخارج يريد أن يلقي ظهره على الداخل، والخارج يتحمل مسؤولية الفشل كما تتحمل منظمة التحرير هذه المسؤولية.
هناك بيوت قد تم هدمها، فمن سيبنيها؟ هل ننتظر إيران لتقدم الدعم، أم من المفروض أن تكون لدينا المؤسسات التي تهب فورا لمساندة الناس؟ شاطرين في الخارج في تحريضنا على عمل انتفاضة، الانتفاضة لا تنفعنا ولا تنفع القضية الفلسطينية، وإنما نحن بحاجة إلى ثورة أو مقاومة، الانتفاضة احتجاج بينما المقاومة مواجهة، وهذا يحتاج إلى جهود مساندة من الخارج.