يمعن العدو الصهيوني في تصعيد إجراءات الانتقام بعد معركة جنين البطولية، فقد توسع في عمليات الاعتقال ومداهمة بيوت الأهالي سعياً لإلقاء القبض على المطارد أحمد جرار، لم يكن غريباً بأي شكل من الأشكال على ابن مخيم جنين، أن يعشق البندقية ويشرعها في وجه الاحتلال ومستوطنيه موجهاً رصاصه المظفر الى صدر حاخام صهيوني يتنفس حقداً بحق شعبه وأرضه ومقدساته، فالمطارد أحمد اليوم في عالم مختلف عن عالمنا يعيش بيننا ولا نراه رغم أنه يرانا، له عالمه ولنا عالمنا، أحمد جرار نذر نفسه وحياته لمسألة واحدة، هي قضيته فلسطين التي سبقه إليها والده نصر جرار مقاوماً مطارداً شهيداً وها هو اليوم أحمد على نفس الدرب يسير دفاعاً عن دينه ووطنه وحريته وكرامة أمته.
وها هي الأحداث أظهرت مرة أخرى أن مدرسة والده نصر جرار أثبتت نجاحها عسكرياً وشعبياً، فعملية نابلس العسكرية التي نفذها أحمد ورفاقه وفق تخطيط مدروس، وما فعلته بالصهاينة، أكسبت مشروع المقاومة ثقة واحترام ومحبة الشارع الفلسطيني بكافة توجهاته الفكرية والسياسية.
أحمد اليوم هو المطلوب رقم واحد للاحتلال في الضفة الغربية، وتبذل مخابرات الاحتلال الجهود المضاعفة من أجل الوصول إلى أقرب نقطة تمكنها من الوصول للمطلوبين ليتم اعتقالهم أو إعدامهم ميدانياً بدون محاكمة، لكن أحمد مدرك لكل ما يجري من حوله، وهو لم يفعل ما أقدم عليه إلا بعدما ترك الخوف وراء ظهره، يمشي متقدما الصفوف يواجه واقعه الجديد بشجاعة وإقدام.
العملية الفاشلة التي شنتها قوات الاحتلال على جنين الأسبوع الماضي من أجل القضاء على أحمد ورفاقه، جعلت بطلنا أكثر قوة وهو وعلى الرغم مما تبذله أجهزة العدو الاستخبارية ومن سار في ركب التنسيق الأمني، إلا أن أحمد يدرك أنه يجب أن يظل على أهبة الاستعداد يحمل روحه على كفه وبندقيته على كتفه، فهو بلا شك عازم على المقاومة حتى الشهادة، ولسان حاله يقول ما قاله المطارد الشهيد عماد عقل: "من الآن فصاعداً فأنا مطارد للاحتلال وعليه سوف أذيقهم العلقم بإذن الله".
ظاهرة المطاردين لها أهميتها على مستقبل الانتفاضة والجهاد المسلح، وتحاول مخابرات الاحتلال أن تتعامل مع النشطاء الفلسطينيين بطريقة تصفية الحسابات أول بأول، أي شخص يقوم بعمل ما صغير أو كبير فإن اعتقاله هو الحل، ويسعى الاحتلال بشكل كبير من أجل القضاء على هذه الظاهرة، وسيستمر في السيطرة المطلقة على كل الضفة المحتلة المستباحة، ولن يقبل أن تعود ظاهرة المطاردين التي تشكل تهديدًا حقيقيًا لأمن الاحتلال، فالعدو يركز تركيزاً خاصاً على المطارد جرار وذلك خوفاً من أن يتحول إلى يتمكن من تأسيس نواة قتالية صلبة، فضلاً عن دور الإلهام في الانتفاضة واستمراريتها، لهذا يجب أن يُعتنى بهذه المسألة عناية خاصة، فيؤمن للمطاردين كل شروط مساعدتهم على عدم الوقوع بيد العدو وعلى الخصوص التخلص من كاميرات التصوير المنتشرة في شوارع الضفة الغربية، وذلك لإبقاء زمام المبادرة بأيديهم في الانتفاضة، حتى يتم تمكينهم من التهيئة لعمليات عسكرية كبيرة، وهذا يتطلب أن نكون عوناً وعيناً لرجال المقاومة وعدم الوقوع في حملاته التي يشنها بحثاً عن المطاردين، مما يقتضي تعاوناً وثيقاً من قبل الشعب مع أبنائه الشجعان، ويقتضي على المقاومة بغزة حسن التعامل معها باتخاذ كل الإجراءات المناسبة لرفدها بأسباب البقاء والقوة والفعالية.
تربينا في الانتفاضة الاولى على بطولات عماد عقل ويحيى عياش، وحدثونا عن دلال المغربي، وزرعوا فينا قصص أولئك المطاردين الذين اختبأوا في منازل الشرفاء من أبناء شعبنا، شاهدنا وسمعنا قصصهم كيف خبأوا أسلحتهم في أراضيهم وبيوتهم، لم تنتهِ البطولات العظام، بل لا يزال لدينا المزيد من الروايات التي سنحكيها لمن يأتي بعدنا، سنحكي عن أحمد جرار ورفاقه، الذين طاردوا الاحتلال ليأخذوا بثأرههم وثأر قدسهم.
أحمد ومن سيتبعه سيتحولون وقوداً لأطفال الانتفاضة وستروى قصصهم للأجيال الآتية، كما تأثر أحمد بحكايات أبيه نصر، الذي ظلّ واقفًا شامخاً رغم ما أصابه حتى الشهادة، لكلّ جيل أبطاله وشهداؤه، لكل جيل قصصه التي يرويها لمن بعده، وفي كل جيل، من يسمع هذه القصص ولا يتركها حبيسة غرفته وذاكرته، إنما يحوّلها إلى قصةٍ أخرى تستحقّ أن تُروى في ما بعد.