أثار موقف كلًا من حركتي حماس والجهاد الإسلامي القاضي برفض المشاركة في اجتماع المركزي، موجه من النقاش الفلسطيني، حول صوابية القرار من عدمه في ظل الأوضاع السياسية القائمة والهجمة على مدينة القدس.
نقاش الحركتين الداخلي أخذ بعين الاعتبار حساسية المرحلة وخطورة الواقع على الأرض، ووضع جملة من النقاشات التي تسببت في قرار المقاطعة ومن أهم هذه النقاشات الآتي:
أولًا: تركيبة المركزي: المتابع لقانون التركيبة التي تحكم المركزي وكوتتها، من نقابات وأحزاب، أعضاء لجان في المجلس التشريعي شخصيات مستقلة، تجد أن الصفة التمثيلية مختله، لصالح شخصيات لا تمثل الحالة الفلسطينية، بل معظمها يميل إلى سن العجز والآخر تحكمه تبعية التعيين مما يجعل الهيئة (المجلس المركزي) ضعيفة في قدرتها على مواجهة مخاطر الواقع الذي عليه الحالة الفلسطينية.
ثانيا: المرجعية الفتحاوية: تعد مؤسسات المنظمة رهينة لما تريده فتح، سواء ما تعلق بالتشكيل، سقفه، وحجم المشاركات فيه.
بالإضافة إلى خضوعه لأبوبة مخلة لا تعبر عن شكل مؤسسي حقيقي، إذ تستخدمه فتح عند الحاجة لتثبيت رؤية سياسية مرحلية أو تكتيكية، مما يجعل أساس المشاركة مأزومًا ومحكومًا بسقف وضع مسبقًا، الأمر الذي ينطبق على الحراك المتعلق بالقدس في هذه الدورة.
ثالثـًا: مكان الانعقاد وحسابات السياسة فيه: أخطر ما يمكن تقديمه على مستوى المنظمة اعتبار السلطة ممثلة للحالة الفلسطينية، مما يعني هندسة النظام السياسي على ايقاع الموافقات الصهيونية، فهي التي تحدد شكل من يشارك، ويؤثر على المخرجات، كون المشاركين عليهم المرور في رزمة الاجراءات الصهونية، عدا عن أن الشخصات التي تحمل شعار المقاومة لا يمكنها التواجد في هذه الاجتماعات، لمنع الاحتلال الدخول لها، أو لتوقع اعتقالها في حال الحضور.
يضاف إلى ذلك أن اجتماعات الداخل ستفرز إقصاء الشتات عن المشاركة وإبقاء خارطة الوطن محصورًا في حدود أوسلو، الأمر الذي كان ممكنًا تجاوزه لو كان الاجتماع خارج الأرض الفلسطينية.
رابعًا: السقف السياسي للاجتماع: سيحكم السقف السياسي للاجتماع خطاب الرئيس، الأمر الذي لا يمثل الحالة السياسية الفلسطينية كون الخلاف معه واسعًا من الفصائل، إذ يتجاوز الخلاف التكتيك إلى عمق الخطاب.
هذا الأمر صدقه التسريب لقرارات المركزي، مما يجعل إمكانية تغيير الفصائل الفلسطينية في المخرجات عدميًا، خاصة بعد منع أكبر هذه الفصائل (حماس) من تقديم خطاب في المركزي يتمايز عن خطاب الرئيس، الأمر الذي جعل المشاركة شكلية وضعيفة، بل تميل إلى العبثية في أصلها.
خامسًا: مخرجات المركزي تجذر سقفًا سياسيًا يتساوى مع مخرجات أوسلو: المتابع لمخرجات المركزي يجد، إصرار السلطة على منهجية المفاوضات مع الاحتلال والبحث عن بدائل المرجعيات الدولية، بالاضافة إلى إصرار فتح على شكل واحد في إدارة الصراع مغفلة شرعية المقاومة المسلحة، بل معتبرة إياها خطرًا استراتيجيًا في الحالة الفلسطينية، الأمر الذي ـفقد الحالة الفلسطينية جدية الانخراط في عمل يقاوم الاحتلال حتى بالبعد الشعبي الشامل.
سادسًا: الارباك السياسي وضياع البوصلة: المتابع لسلوك فتح السياسي يجد إرباكًا في منهجية العمل وضبابية في الرؤية العامة، لذلك تجد خطابًا يؤمن بأوسلو، ثم آخر يتحدث عن الدوليتين، ثم الدولة الواحدة، ثم الدولة تحت الاحتلال، ثم الحل المؤقت، الأمر الذي يؤكد على أن المؤسسة لا حضور لها في ضبط ايقاع السياسة، إنما يحكم حراك المؤسسة الرئيس المرجع الأوحد لكل التقلبات الحاكمة للواقع الفلسطيني.
سابعًا: ذهاب فتح لملفات المواجهة بجبهة محطمة: اعتبر قرار المشاركة عبثيا في ظل استمرار الانقسام، وعدم جدية فتح في احتضان قطاع غزة، الأمر الذي شكك في امكانية العمل المشترك، بل أوصل الحالة الى تعقيد لا يمكن تجاوزه في ظل الانقسام.
ثامنًا: الحضور العربي وصفقة القرن: هناك غموض في موقف السلطة بشأن التوجهات المصرية والسعودية الداعمة لخطة ترامب، الأمر الذي يخشى معه ذهاب السلطة الى مواقف تتعاطى مع الضغوط القائمة، مما سيجعل الحضور متساوقا مع المنهجية الغامضة التي عليها قيادة فتح المتحكمة بالمنظمة.
مسوغات حماس والجهاد، مهمة لنقاش الحالة الفلسطينية لكنها في المقابل وقعت في أزمة مشاهدة على الأرض تتجلى معالمها في الآتي:
أولا: الضعف في تسويق الرؤية التي عليها الحركتين خاصة في جانب توضيح مرادهما من المقاطعة.
ثانيا: عدم قدرة الحركتين بناء تحالف فيه الجبهة الشعبية والقيادة العامة، الصاعقة، وتكتلات مثل فلسطينيو الخارج، عبر بنية تعبر عن معارضة المناهج السياسية القائمة.
ثالثا: فشلت المعارضة في تقديم رؤية واضحة جمعية مقابلة لرؤية فتح مما جعل الحالة الفلسطينية أمام خيار واحد يقوده الرئيس الفلسطيني، وآراء معارضة غير متحدة.
خلاصة: السقف السياسي الذي تقوده فتح، بات يثقل الواقع ويجذر حالة من الانقسام السياسي البين، في المقابل تحتاج المعارضة بناء هيكل وخطاب جامع يحقق البديل في ظل المأزق السياسي.
وجدنا أن الحالة لم تنضج بعد إلى مأسسة الحراك الوطني الفلسطيني لأسباب أهمها، التباينات وعدم الجدية الدافعة للانجاز، مما يحمل حركتي فتح وحماس مسؤولية المبادرة، لاقناع المجتمع الفلسطيني بتوجهات كل منهما، خاصة في ظل صعوبة الواقع الفلسطيني ونجاح الاحتلال في تحقيق ضربات خطيرة لمشروع الدولة.
كما أن استمرار حركة فتح في إدارة المؤسسة الفلسطينية بهذا الشكل، يجعل الواقع الفلسطيني صعبًا، بل مرهلا، بل يساهم في خلق بيئة تتيح للاحتلال الناجحات في كل الأصعدة.
فتح عليها المسارعة في إنجاز مصالحة تنهي وجع غزة، وعليها المسارعة في الاستحواذ على المؤسسات الوطنية لتمكين مشاركة صحية للحالة الفلسطينية وإفرازاتها.