بات من الواضح أن الصراع بين المرجعيات الدينية الإسلامية يتصاعد، وخصوصاً في القدس وعلى المقدسات الإسلامية، وهناك من يستهدف الوصاية الأردنية على الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، لأهداف خبيثة ومريبة في هذا الظرف بالذات، الذي يعلن فيه الرئيس الأمريكي المتطرف ترامب عن اعتبار القدس عاصمة لدولة الإحتلال.
تنقسم المرجعيات الدينية لدى المسلمين إلى خمسة مرجعيات، المرجعية الدينية في الأزهر الشريف، المرجعية السعودية الوهابية في مكة المكرمة والمدينة المنورة،المرجعية الهاشمية على الأقصى والمقدسات في القدس، والمرجعية الشيعية في قم والنجف الأشرف والمرجعية العثمانية "الخلافة" في تركيا.
ظهور بعض البرلمانيين الأردنيين أمس الأول تحت قبة البرلمان الأردني، وعلى صدورهم ملصق الملك عبد الله الثاني خادم اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين،يحمل تأكيداً على الوصاية الهاشمية الدينية والتاريخية والقانونية على الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وكذلك هو رسالة واضحة للسعودية التي تحاول أن ترث الدور الهاشمي في القدس، وجذر الصراع والخلاف بين الهاشميين والوهابيين قديم وجذوره ممتدة، وقد ظهرت تلك الخلافات الى العلن بعد القمة العربية -الإسلامية - الأمريكية.
مرجع الخلاف كان حين جلبت بعض الدول الخليجية العرب والمسلمين لكي يصطفوا خلف "إمامة" ترامب لهم، وفي إطار الخطابات في قمة "الإمامة" تلك بدأ الملك الأردني الثاني خطابة بالصلاة والصلاة على النبي الهاشمي الأمين، وليصححه ملك مشيخة النفط السعودي،ب أن الصحيح القول الصلاة على النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم نبي البشرية أجمع، وبعد قرار الرئيس ترامب بإعتبار القدس عاصمة لدولة الإحتلال، هذا القرار الذي تعتبر السعودية شريكة فيه، وجدت بأن الموقف الأردني بالتصدي الحازم لهذا القرار تحدي لهيبتها، ولذلك كانت تسعى لتهميش الدور الأردني، عبر الإطاحة بالنظام الهاشمي لصالح مشروع الوطن البديل، والذي عقدت له مؤتمرات في اسرائيل بمشاركة شخصيات سياسية وأردنية مهنية مصطنعة بحضور اسرائيلي وأمريكي، وكذلك لم تقدم السعودية أي دعم مادي للمملكة، نتيجة توريطها في الوقوف إلى جانبها وجانب ما يسمى بأصدقاء "أعداء" سوريا.
الأردن كان يدرك حقيقة الدور السعودي للسيطرة على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ففي أزمة البوابات الألكترونية في 14 تموز من العام الماضي، أدارت السعودية حوارات مع اسرائيل بوساطة أمريكية حول ذلك بمعزل عن الأردن، وليس هذا فقط بل بعد قرار الرئيس الأمريكي المتطرف ترامب، الذي يعتبر القدس عاصمة لدولة الإحتلال الإسرائيلي، ضغطت الرياض على الملك عبد الله الثاني، لكي لا يذهب إلى اسطنبول وحضور قمة التعاون الإسلامي التي دعت اليها تركيا، ولكن الملك الأردني رفض ذلك وجلس على يمين أردوغان الذي وصف الملك الأردني بحامي القدس والمقدسات، ومن بعد ذلك أدارت السعودية حملة ضد الأردن بترويج إشاعات رخيصة بأن هناك محاولة إنقلاب على النظام الأردني قادها ضابط شركس، وعمليات التقاعد لشقيقي الملك الأميرين علي وفيصل وإبن عمه طلال بن محمد من القوات المسلحة، جاءت على هذه الخليفة.
كما أن هناك مخطط كبير يستهدف الأردن من خلال تعميق أزماتها الإقتصادية بحجب الدعم المالي والإقتصادي عنها، وتشجيع الحلول السياسية " الوطن البديل" بحيث يكون الملك عبد الله الثاني آخر ملوك الأردن، واعتقد جازماً بأن ما جرى من خلال جس نبض المرجعيات الدينية في مدينة القدس، للقاء مع القيادة السعودية حول القدس والمقدسات يندرج في هذا الإطار والسياق، ونحن نثمن عالياً موقف المرجعيات الدينية التي رفضت الإنجرار الى هذا المنزلق الخطير.
والآن بعد إنكشاف الدور السعودي بات مطلوباً من القيادة الأردنية وملكها اولا فتح طريق علاقاتها وتحالفاتها، على نحو أرحب وأوسع مع سوريا والعراق وإيران وتركيا وروسيا والصين، لكي تجد لها مظلة قوية من المؤامرات التي تحاك ضدها، وما يشكله ذلك من خطر على الشعبين الفلسطيني والأردني معاً، وقول الملك عبد الله الثاني بأنه لو دفعت له مئة مليار دولار لما تخلى عن قضية القدس، يثبت حجم الضغوط والمؤامرات التي تمارس على الأردن بقيادة مشيخة النفط السعودي.
الآن أكثر من أي وقت مضى يجب على الملك عبد الله الثاني والقيادة الأردنية، إعادة صياغة شبكة العلاقات الأردنية وعلاقاتها وتحالفاتها، والعمل على توسيع دائرة المشاركة في القرار الأردني، والانفتاح على كل القوى والمكونات السياسية والمجتمعية، فما يحدث ويجري خطر جداً، فبعد قرار الرئيس الأمريكي وجدنا حكومة الإحتلال تشن حرباً شاملة على القدس خاصة والشعب الفلسطيني عامة، حيث جرى إقرار قانون "القدس الموحدة" بالقراءتين الثانية والثالثة، وعدم التنازل عن أي جزء منها إلا بموافقة ثلثي اعضاء الكنيست (80) عضواً.
وكذلك صادق أعضاء حزب الليكود على قرار فرض السيادة الإسرائيلية وقوانينها على مستوطنات الضفة الغربية، وبما يجعل هذا القرار ملزم لأعضاء الكنيست من الليكود في الحكومة والبرلمان، في حال جرى التصويت على هذا القرار كقانون في الكنيست، وهناك تشريعات وقوانين يجري العمل على صياغتها كمشروع "القدس الكبرى" وضم الكتل الاستيطانية الكبرى إليها الواقعة جنوب غربها تجمع مستوطنات "غوش عتصيون" وحتى شمال شرقها مجمع مستوطنات "معاليه أدوميم".
ونحن في ظل ما يحاك ويخطط ضد الأقصى بعد تخصيص وزيرة الثقافة في حكومة الاحتلال ميري ريغيف، مبلغ 250 شيكل للقيام بعمليات الحفريات أسفل المسجد الأقصى، بحجة البحث عن آثار إسرائيلية تثبت العلاقة المزعومة ما بين اليهودية والمسجد الأقصى "الهيكل المزعوم"، والمشاريع الاستيطانية في منطقة حائط البراق.
ندرك تماماً بان الوصاية الدينية والتاريخية والقانونية للأردن على المسجد الأقصى خاصة والمقدسات الإسلامية والمسيحية عامة، ستكون في دائرة الإستهداف والعقاب للأردن على مواقفه، برفض تهويد القدس وأسرلتها وجعلها عاصمة لدولة الإحتلال، وهذا ليس فقط من قبل أمريكا وإسرائيل، بل والحالمين بوراثة الوصاية الهاشمية على الأقصى والمقدسات في القدس.