نابلس – خاص قُدس الإخبارية: يتهرب صالح مجددًا من ذكر عمره الحقيقي، فهو ما زال في الأربعينيات، بعد أن حذف 32 عامًا لم يكن فيها على قيد الحياة، وأي حياة بعيدًا عن فلسطين؟!
متعكزًا على عصاه، يمشي صالح أبو مرتضى متوشحًا بالكوفية، يخطو خطوة تلو الأخرى ببطء محاولًا التقاط أنفاسه، يرحب بالضيوف المتوافدين إلى منزل العائلة في قرية بيت دجن شرق مدينة نابلس، مباركين بعودته التي لم ييأس وهو يسعى لها منذ عام 1985.
عام 1970، تسلّل صالح أبو مرتضى ومجموعة فدائيين من الأردن وصولًا إلى قرية دوما، يروي صالح أنه وبعد التحاقه بالثورة الفلسطينية بالأردن، والتدرب في صفوفها عدة شهور، قرّر وفدائيين آخرين العودة إلى فلسطين المحتلة لتنفيذ عدة عمليات فدائية.
ويضيف صالح لـ"قُدس الإخبارية"، أن زرع عبوات ناسفة والاشتباك مع العدو، كان هدف المجموعة الفدائية، إلا أنها وقعت في كمين لجيش الاحتلال، وبعد اشتباك معه، تم اعتقال صالح ورفاقه وتحويلهم إلى سجون الاحتلال، ليصدر بحقهم بعد فترة قصيرة حكمًا بالسجن المؤبد مدى الحياة.
"15 سنة مرت في سجون الاحتلال لم أفقد فيها يومًا أمل التحرر، ظروف صعبة جدًا فرضت علينا في السجون حديثة الافتتاح، والتي لم يكن فيها من الأسرى إلا أعدادًا محدودة"، قال صالح
في العشرين من حزيران 1985، تحرّر صالح أبو مرتضى ضمن صفقة نفّذتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة أحمد جبريل، شملت تحرر 1150 أسيرًا فلسطينيًا ولبنانيًا وعدد من الأسرى العرب، مقابل تسليم الجبهة ثلاثة جنود إسرائيليين كانت قد اعتقلتهم في لبنان.
يروي صالح، "عدت وآخرين إلى منازلنا في فلسطين المحتلة، وبعد شهرين من التحرر، تفاجئنا باعتقالنا مجددًا ونقلنا إلى معبر الملك حسين، حيث تم تسليمنا للجانب الأردني بعد أن أبلغونا بنيتهم إبعادنا خارج فلسطين، وسحبوا هوياتنا الشخصية حتى لا نتمكن من العودة مجددًا".
يذكر صالح أن كيان الاحتلال شهد احتجاجات واسعة من قبل المستوطنين الذين اعترضوا على تحرر 1150 أسيرًا معظمهم محكومًا بالسجن المؤبد ضمن صفقة تبادل ما زال الاحتلال يعتبرها من أقسى الضربات التي تعرض لها، "إسرائيل حاولت أن ترضي شعبها وتسكت الاحتجاجات، فاتخذت قرارها بإبعادنا".
صالح الذي يتخطى السبعين عامًا، يعاني من أثار سكتة دماغية سلبته جزءًا من ذاكرته، كما يعاني من أمراض الشيخوخة التي أرهقته، إلا أنّه استعاد روح الشباب كما يقول، بمجرد عودته إلى أرض الوطن، عودة ليست بأبدية، فتصريح زيارة لمدة شهر فقط، منحه الاحتلال لصالح.
رمزي أبو مرتضى ابن شقيقه وصهره، يقول لـ"قُدس الإخبارية"، إن العائلة لم تيأس يومًا من عودته وقدمت طلبات لانتزاع تصريح له لأكثر من 20 مرة، رفضها الاحتلال جميعها، "عندما تلقينا الاتصال بالحصول على تصريح، خلع والدي الذي يتخطى 75 عامًا كوفيته وبدأ يرقص بها، الفرحة كانت لا توصف، وبدأنا بالتحضير لاستقباله، ولكن بحذرٍ شديد خوفا أن يغدرنا الاحتلال".
قبل 10 أيام وفور أن تقدمت العائلة بطلب انتزاع التصريح، وصالح كانت قد حضر حقيبته واستعد للعودة، مؤمنا أنه سيعود هذه المرة، يعلق رمزي، "كأنه حلم، رفضنا أن نصدقه إلا برؤيته يتحقق، القريب والبعيد استعد للاحتفال، ولكنا بقينا قلقين أن يتراجع الاحتلال عن قراراه ولا يسمح لعمي صالح بالمرور".
يبين رمزي أنه توجه للأردن ليرافق صالح بعودته التي كانت يوم الجمعة الموافق الأول من كانون أول، "وصلنا الجانب الإسرائيلي، ترددنا كثيرا بالدخول وبقينا لمدة ساعة قبل أن نتخذ قرارنا بالمضي بطريقنا، إلا أنهم وبعد اطلاعهم على الأوراق طلبوا منا الانتظار، وامتد هذا الانتظار لأكثر من ساعة ونصف شارفت خلالها أعصابنا على الانهيار، قبل أن نحصل على الموافقة بالدخول".
العشرات توافدوا إلى الجانب الفلسطيني لاستقبال صالح، لتبدأ من هناك الاحتفالات بعودته بعد 32 عامًا من الإبعاد، "استقبلنا أهالي بيت دجن على مدخل بالقرية، ودخلنا في موكب كبير وجبنا أحياء القرية بعمي صالح، وسط إطلاق للمفرقعات وتوزيع الحلوى ورش الورد، ثم أقامت العائلة مهرجان وغداء لأهالي القرية.. الاحتفالات كانت عارمة لم تشهد بيت دجن مثيلها يومًا".
بعد أن تحقق حلم صالح أبو مرتضى بعودته المشروطة بالرحيل بعد شهر، أصبح الحلم أن يقضي ما تبقى من سنين عمره هنا في قرية بيت دجن، "لا أعلم ماذا وماذا سأعمل خلال هذا الشهر، سأزور كل الأقارب والأصدقاء، سأذهب للكثير من المناطق التي أشتاق لها.. أما حلمي الكبير الآن أن أزور المسجد الأقصى وأصلي فيه"، قال صالح معبرًا عن أمنياته في السبعين.