من الطبيعي أن يكبر الإنسان وتزيد سني عمره، ومألوف أن تصنع أعياد الميلاد وتنسج من أجلها ما يناسبها من أغنيات الفرح وبشرى لأجل المناسبة ما يطيب من الحلويات والمشروبات، باعتبارها ليلة من ليالي العمر التي قد تفتح عاما جديدا أكثر جمالا وتوفيقا مما مضى.
لكن على ذات الإيقاع ليس جميلا، أن تكون هذه المناسبة، في عسقلان، نفحة، شطة، مجدو وبئر السبع والنقب، وأن يتصادف يوم ميلادك بحقيقة أن ميلادك ال 60 قد أمضيت منه 37 عاما في المعتقل، فقدت فيهن الوالد والوالدة، وأصبحت أمام نقاش هل سأتمكن من العودة للحياة خارج أسوار المعتقل قبل انتهاء الأجل؟.
هذا واقع نائل البرغوثي وأخوانه الذين تمضي بهم الحياة مسرعة، بعمر نفد منه الكثير، ولم يبق في الآجال إلا سنوات أو أقل.
النقاش حول من أبقاهم، ومن يتحمل فشل حل ملف الأسرى عدميا، في هذه الذكرى، كون القضية الفلسطينية ونضال حركتها الوطنية يعيش هذه الأيام أزمة في كافة الملفات وأخطرها.
لكن في ملف الأسرى ما زال في يد الفلسطيني ما يمكن أن يقال، خاصة وأن كتائب القسام، ما زالت تملك ملفا مهما، من الجنود الأسرى، والذي قد يفضي الى تحقيق صفقة مهمة يفرج فيها عن عدد كبير من الذين ترفض "إسرائيل" الحديث عنهم.
بين يدي ذلك، كان لا بد من السؤال هل نحن قريبون من صفقة تبادل؟
ما أشيع عن دور مصر في الأيام الماضية، ودعوتها حماس للحديث عن ذلك، ليس صحيحا، إذ ما زال الاحتلال يصر على معرفة مصير جنوده، وفي حال التفصيل، يتحدث عن صفقة حول الجثث.
هذه الأريحية التي يتعامل بها الاحتلال في الطرح والنقاش مردها إلى نجاح نتنياهو تسويق رواية الموت لجنوده، بالاضافة إلى خطورة المضي مع حماس لصفقة كبيرة تتيح الافراج عمن تسميهم "القتله".
معادلة نتنياهو لم تستطع المقاومة كسرها حتى اليوم لأسباب تتعلق بالكيان كما أسلفنا، بالإضافة إلى سلوك المقاومة ذات الطريق الذي انتهجته في صفقة شاليط برغم الاختلاف البين بين الحالتين، الأمر الذي يتطلب تغييرا في شكل الضغط عبر جملة من المتغيرات أهمها:
أولا: وضع بعض التفاصيل على طاولة نقاش المجتمع الصهويني التي تناقض ما سوقته حكومة نتنياهو.
ثانيا: وضع صورة صارخة عن حياة أحد الجنود، لإثارة أسرهم خاصة بعد إعلان حكومة الاحتلال موتهم.
ثالثا: مواصلة عمل إعلامي ممنهج لتحريك الملف على جبهة الاحتلال الصهيوني.
نتنياهو لم يعد يشكل له هذا الملف واقعا ضاغطا، خاصة في ظل ما يجتاح أسرته الحديث عن فساد كبير سيفضي إلى تقديم لائحة اتهام باتجاه زوجته على الأقل.
على خلاف توقعات الكثير، في حال الضغط في هذا الملف، فإن نتنياهو قد يلجأ إلى تصدير الملف إلى واجهة السياسة الصهيونية وقطع شوطا فيه، كون الأخير بات لا يمتلك كثيرا من الأوراق التي يتحدث بها سوى الجانب الأمني.
نائل وإخوانه الأسرى، لا يثقون في مستقبلهم، إلا بالله، ومن ثم في مقاومة، صنعت لأجلهم الكثير.
أحد الأسرى في اتصال هاتفي قبل أيام، وضع تساؤلا أمامي نصه، هل سأتحول إلى نائل جديد كي يتم تسميتي عميد الأسرى بدل نائل البرغوثي؟.
أنا أمضيب الآن 18 عاما، وما تبقى لي من عمر في الشباب 7 أعوام، إن مضت ليس مهما إن تم الافراج عني بعدها أم لا، الحديث في هذا الملف، يعد الأكثر تأثيرا على النفس، لكن لا يمكن تجاوز الحديث كي تظل القضية حاضرة يا نائل.
الله على الظالم