فلسطين المحتلة – خاص قدس الإخبارية: بالتزامن مع اشتعال الربيع العربي عام 2011، دشنت الشركة الأمريكية Kuma Games، لعبة حربية ثلاثية الأبعاد، عُرفت باسم "وحدة النمر العسكرية"، وتتمحور مهمتها بملاحقة "الإرهاب" في الدول العربية متتبعة تعليمات عليا.
إلا أن عمر "وحدة النمر" قد يكون أقدم من ذلك، فحسب التعريف الخاص بالصفحة الرسمية باللعبة، والتي يبلغ عدد متابعيها 588,803 متابع، فالوحدة حُشدت عام 2005 من جميع أنحاء العالم لتقوم بمهمات خاصة بقيادة "الأم"، بهدف "مكافحة الشر" على حد قولها، وقد خُتم التعريف بعبارة: "واليوم.. ستنضم إليهم".
فهل وحدة النمر مجرد لعبة؟ من تقاتل هذه الوحدة؟ ما السر خلفها؟ لماذا عاودت اكتساح مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث بإعلانات ممولة ومكثفة؟ ما علاقة الاحتلال بالوحدة؟ ولماذا الظهور المتكرر لكتائب القسام فيها؟
وحدة النمر والرسائل غير المباشرة
"وحدة النمر" لم تعد مجرد لعبة إلكترونية، مُخير من يريد لعبها بشكل فردي أو جماعي- دون أن يعلم من الطرف المقابل في اللعبة- إنما أصبحت مسلسلًا مكونًا من عشرات الحلقات التي تُبث على مواقع التواصل الاجتماعي بإعلانات ممولة، لتظهر أمامك بعناوين لافتة وتجرك لمشاهدتها.
إلا أن تأثير "الحقنة تحت الجلد" لن يأخذ مفعولها كثيرا، فسرعان ما تكتشف أمر هذا الفيديو وتقلبه، ولكن ليس كل المجتمع سواسية، وهنا يولد الخوف الحقيقي، فمن يتأثر ومن لا يتأثر من هذا الكم الكبير، والموجه وغير المباشر من الرسائل؟
"الحقنة تحت الجلد" رغم أنها من نظريات الإعلام القديمة التي أسسها سيجموند فرويد، ثم طورها هارولد لازويل خلال الحرب العالمية الأولى، ولا يمكن القول أننا نعتمد عليها في ظل قنوات المعلومات المتعددة التي باتت متوفرة للجميع، إلا أن "وحدة النمر" ترتكز على النظرية بشكل أساس، مع تطوير مكثف ومتنوع للمحتوى الذي يستهدف من خلاله الجمهور العربي.
وتسعى اللعبة لتنفيذ عملية غرس ثقافي في وعي الجمهور العربي، من خلال مجموعة تراكمية من الصور الذهنية تتركها اللقطات الأولى السريعة للفيديوهات التي تظهر بشكل مفاجئ أمام المتصفح، فالعملية تتضمن تدفق مستمر ومتواصل لرسائل غير مباشرة في سياق محدد.
تحدد السياقات المتناولة في اللعبة طرفي الشر والخير، فقد انتقت الرموز التي تعتبر شر ويجب مكافحتها والقضاء عليها، على سبيل المثال بـ "كتائب القسام" – الجناح العسكري لحركة حماس - أما رموز الخير فهي المتمثلة بالعناصر المحاربة في وحدة النمر ومن يدعمها.
وترتكز "وحدة النمر" في مهامها بشكل أساسي على مجموعة من الأنظمة العربية، التي تم تجميل صورتها في الحلقات، باعتبارها مدافعا عن الحق وتسعى للقضاء على الشر، إلا أنها رغم ذلك لا تتخذ قراراتها الخاصة، بل تتلقها من مصدر مجهول وغير مباشر يدعى "الأم".
الاحتلال ووحدة النمر
الاعتقاد أن أذرع الاحتلال من تقف خلف "وحدة النمر" وهو ما نلمسه بالتعليقات على منشورات الصفحة غير نابع فقط من منطلق "نظرية المؤامرة"، بقدر أنه جاء نتيجة فهم الرسائل الموجهة من خلال الفيديوهات التي تبثها الصفحة، والتي لا تختلف كثيرا عن الرسائل المباشرة التي تبثها صفحات الاحتلال الناطقة بالعربية.
ولكن أين الاحتلال في "وحدة النمر"؟
الاحتلال لا يظهر أبدا بصور مباشرة خلال عشرات الحلقات التي تم بثها، وكأنه غير موجود أساسا كواقع استعماري توسعي على الأرض العربية منذ 70 عاما، بل تقتصر اللعبة على تناول الصراعات العربية –العربية، ووجوب القضاء على عناصر الشر فيها، إلا أن ذلك وحسب ما يتداول في الحلقات غير نابع من حرص داخلي، وإنما من توجيه خارجي مستمر يقوم باتصالات هاتفية بالعناصر ويمدهم بالتعليمات والتوجيهات.
تطوير المحتوى
نشر وحدة النمر رسائلها ضمن حلقات فيديو مكثفة التي باتت تمر علينا مؤخرا، لا يتم بالعالم الافتراضي بمعزل عما يدور في أرض الواقع، فالفيديوهات تحاكي بشكل مباشر الأحداث والتطورات على الساحة العربية في عدد من الدول، إذ قسمت الفيديوهات لعدة أجزاء، كل جزء يشمل العشرات من الحلقات المتنوعة بالمكان والمضمون.
الحلقات التي تجاوز عددها حتى الآن 115 حلقة، خضعت لتطوير مستمر في المحتوى، فالحلقات الأولى تخطت مدتها الخمسة دقائق، لكن وقت كل حلقة بدأ يتقلص شيئا فشيئا حتى بات يتراوح بين 2:30-3:00 دقائق، ويبدو أن ذلك جاء ضمن مواكبة التحسين المستمر للرسائل الإعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي باتت تتسم بالسرعة.
وتعتمد "وحدة النمر" على الفيديوهات الصامتة في توجيه رسائلها، فيمكنك مشاهدة الحلقة كاملة دون أن تستمع لصوتها، فالحديث الذي يدور بين عناصر "وحدة النمر" يتم كتابته برسائل مختصرة وسريعة، ويكون الصوت الغالب هو أصوات لموسيقى يتم انتقائها حسب موضوع الحلقة، كما نسمع مؤثرات صوتية عديدة خلال الحلقة كأصوات التفجيرات، والصراخ، والبكاء، والضحك.
أما عناوين الحلقات، فتبدأ بكلمة ولا تتعدى الثلاث كلمات، إذ تركز على انتقاء المصطلحات التي تأخذ بعدا إنسانيا وأخرى دينية، ضمن ما تحاول توصيله من رسائل مبطنة، ومن العناوين التي طرحتها: كشف الشر، جمع الشمل، حماية الأمل، الصراط المستقيم، استرجاع الحق، خدام القانون، من أجل الأبرياء، سأجلب العدالة.. وغيرها.
ومن اللافت للنظر أيضا، أن تطوير المحتوى شمل عدد عناصر "وحدة النمر" التي كانت تتمثل بأربعة عناصر فقط كما يظهر في الحلقات الأولى، إلا أن الوحدة يبلغ عدد عناصرها اليوم ثمانية عناصر من بينهم فتاة تدعى "سما"، تم تقديمها في إحدى الحلقات لجامعة الدول العربية بأنها المسؤولة عن مكافحة الإرهاب، فيما ظهرت هذه الفتاة ذاتها والتي تحمل العلم الفلسطيني - في إشارة إلى السلطة الفلسطينية - كأحد عناصر وحدة النمر التي تحارب كتائب القسام في غزة.
تشويه كتائب القسام
كما سبق ذكره، تنوعت مضامين وأماكن الحلقات التي نشرتها "وحدة النمر"، إلا أن فلسطين كان لها النصيب الأكبر من هذه الحلقات – وخاصة الجديدة - التي سعت لتشويه صورة المقاومة، وتقديمها بصورة العصابات الشريرة، وهي الصورة التي تعمدت إبراز كتائب القسام – الجناح العسكري لحركة حماس – فوحدة النمر مهمتها الوصول إلى قطاع غزة وقتل المسؤول الأكبر في الحركة التي يسعون للقضاء عليها.
وتبرز "وحدة النمر" شخصيين مسؤولين عن كتائب القسام، أحدهما أطلقت عليه "أبو سيف"، والثاني "غازي"، يتصفان بملامح وجه شريرة وتصرفات غير إنسانية، فيما تسعى "وحدة النمر" للوصول إليهما والقضاء عليهما، وهو ما يظهر في الحلقات من ملاحقات مستمرة.
ويبرز في الحلقات التشوية المتكرر لأدوات المقاومة، كتناول الأنفاق مثلا في حلقة رقم 101 والتي جاءت تحت عنوان "جرذ الأنفاق"، إذ تركز الحلقة على أن أنفاق المقاومة تستخدم لأغراض خاصة لصالح تلك الشخصيات المسؤولة، ومن يستشهد فيه هم عمال عاديين غير مجهزين ولا تكترث الحركة بحياتهم.
أما في حلقة رقم 112 والتي جاءت بعنوان "الغول"، فتبرز الحلقة حركة حماس كحركة تعاني من الانقسامات الداخلية والتي تصب لأهداف شخصية، وقد سبقها حلقة رقم 111 بعنوان الصراط المستقيم، والتي تبرز "غازي" يتعاون مع "وحدة النمر" للقضاء على خصمه في الحركة "أبو سيف".
وفي حلقة رقم 113 والتي جاءت تحت عنوان "السجناء"، فتبرز استخدام "وحدة النمر" طائرة دون طيار، هدفها الوصول إلى "قوات الشر" كما وصفتها، إلا أن الوحدة تقع بقبضة الحركة.
الحلقات التي تتناول ملاحقة "وحدة النمر" لحركة حماس، تتكرر خلالها الكثير من الرسائل أهمها أن الحركة سبب دمار غزة، وقتلت أبنائها، كما تركزت الحلقات على إظهار حركة حماس تتعاون مع "قوى شريرة" خارجية، كما تبرزها كحركة تقوم بتبيض الأموال والتجار بالمخدرات وغيرها.
الرسائل المكثفة التي تتدفق في حلقات "وحدة النمر" هدفها بشكل رئيسي تشويه صورة المقاومة الفلسطينية، ورغم ذلك فالآلاف يلعبون هذه اللعبة، وما زالوا، فيما كانت المفاجأة أن عدداً من المجموعات المغلقة على موقع "فيسبوك" أنشأت تحت اسم "وحدة النمر"، فهل حققت أهدافها؟ وماذا بعد ذلك؟