توصلت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة فتح إلى اتفاق في القاهرة، تتسلم بموجبه حكومة التوافق الوطني الفلسطينية التي يرأسها رامي الحمد الله السلطة في قطاع غزة. وكانت "حماس" قد أعلنت، أواخر أيلول/ سبتمبر 2017، حلّ اللجنة الإدارية في غزة، واستعدادها للتخلي عن السلطة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، تشارك فيها الفصائل الفلسطينية كافة، وفق اتفاق القاهرة الموقّع في أيار/ مايو 2011 وملحقاته، وإجراء انتخابات عامة. وفي حين تتفاوت التقديرات بشأن خوض حركتَي فتح وحماس اختبارًا جديدًا للعلاقة بينهما، تبرز أسئلة بخصوص دوافع "حماس" إلى قبول شروط لم تقبلها سابقًا لإنهاء حالة الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة في هذا الوقت تحديدًا، وحقيقة الأوضاع الإقليمية والدولية التي حرّكت ملف المصالحة، واحتمالات نجاحها.
جدل اللجنة الإدارية بعد اتهامها حكومة التوافق الوطني بعدم القيام بمسؤولياتها، شكّلت حركة حماس في آذار/ مارس 2017، لجنة لإدارة شؤون قطاع غزة. وقد عدَّت حكومة التوافق هذا القرار مخالفًا بنود اتفاق الشاطئ الذي تشكّلت الحكومة بموجبه، إلا أنّ حركة حماس ردّت بأنّ تشكيل اللجنة جاء نتيجة تهميش الحكومة قطاع غزة، الذي بلغ ذروته في قرار مجلس الوزراء الفلسطيني الصادر في شباط/ فبراير 2017، بـ "إجراء انتخابات مجالس الهيئات المحلية في أيار/ مايو 2017 في الضفة الغربية وتأجيلها في قطاع غزة". وفاقم الانقسام اتخاذ السلطة الفلسطينية جملة من العقوبات بحق قطاع غزة، شملت تخفيض كمية الكهرباء بنسبة 35%، بعد أن أبلغت السلطة إسرائيل بأنها لن تدفع قيمة 120 ميجاواط إضافية من الكهرباء، تقدمها شركة الكهرباء الإسرائيلية لقطاع غزة، كما أعلنت الحكومة خفض رواتب الموظفين الحكوميين في القطاع إلى الثلث، وفرض خطة التقاعد المبكر على موظفي التعليم والصحة فيه، وفرض قيود على عمل المصارف في القطاع، ووقف ضخ أموال فيها، ووقف ضمان الرعاية الطبية للمرضى المصابين بأمراض مزمنة، وتخفيض مدفوعات أسرى "حماس" في قطاع غزة.وقد جاءت هذه الإجراءات الضاغطة على سكان القطاع، لإجبار "حماس" على التخلي عن "جاءت الإجراءات الضاغطة على سكان القطاع، لإجبار "حماس" على التخلي عن إدارته، وحل اللجنة الإدارية" إدارته، وحل اللجنة الإدارية، في ظل أزمة إنسانية كبيرة، يعانيها المجتمع الغزاوي أصلًا بسبب الحصار الذي شملت آثاره قطاعات الصحة والمياه والصرف الصحي، في حين تتفاقم مشكلة الفقر والبطالة التي تصل نسبتها إلى نحو 41% مقارنةً بـ 18% في الضفة الغربية، مع فشل حكومة الوفاق الوطني في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. بل، على العكس، تفيد التقارير بأن نسبة الفقر ارتفعت إلى 65%
السياقات الإقليمية مع ازدياد المخاوف من تفاقم الوضع الإنساني الذي يواجه قطاع غزة، والذي يؤهله لأن يصبح في العام 2020 مكانًا غير صالح للحياة، واستمرار إجراءات الحصار ضده التي زادتها سوءًا إجراءات السلطة بحقّه، بادرت "حماس" في تموز/ يوليو 2017 عبر رئيس مكتبها السياسي في غزة، يحيى السنوار، إلى عقد اتفاق مع القيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، بواسطة المخابرات المصرية، تتخلى الحركة بموجبه عن مسؤولية إدارة القطاع، في مقابل الحصول على دعم مالي لصالح غزة، وتسهيل فتح المعابر، والتقاسم الحكومي الوظيفي، كما يشمل الاتفاق ترتيباتٍ اقتصاديةً واجتماعيةً وأمنيةً في شبه جزيرة سيناء. وفي حين مثّل هذا الاتفاق مخرجًا لحركة حماس من الأزمة التي تواجهها، بفعل القرارات التي اتخذها الرئيس محمود عباس وحكومة التوافق منذ عام 2014، سعى دحلان، ومن ورائه دولة الإمارات التي أعلنت تقديم دعم مالي رمزي عبره للقطاع بقيمة 15 مليون دولار، إلى استخدام وضع غزة الإنساني المتفاقم لإعادة فرض نفسه لاعبًا رئيسًا في المشهد السياسي الفلسطيني. أما مصر فكانت مهتمة بتعاون "حماس" لاستعادة سيطرتها على سيناء، فبعد أعوام من محاولته استعادة الأمن فيها، أدرك النظام المصري أنه عاجز عن القضاء على نشاط التنظيمات المسلحة في سيناء، من دون التفاهم مع حركة حماس. وكانت الترتيبات الأمنية أهم مرتكزات التفاهمات بين الحركة والنظام المصري؛ وقد شملت إقامة منطقة عازلة يبلغ طولها نحو 12 كيلومترًا وعمقها نحو 100 متر على امتداد الشريط الحدودي بين غزة ومصر، ونشر منظومة مراقبة بالكاميرات، تهدف إلى "السيطرة التامة على الحدود الجنوبية ومنع التسلل والتهريب بشكل كامل"، وتعهّدت "حماس" بالتضييق على الجماعات المتشددة وضبط الحدود ومنع تسلل أيّ عنصر من قطاع غزة وإليه، وأبدت جدية في تنفيذ مسؤولياتها؛ إذ تعرّضت قوة من جهاز الضبط الميداني المختص بضبط الحدود في قطاع غزة على إثر ذلك لتفجير انتحاري، بعد اعتراضها خلية في أثناء محاولة تسللها إلى الأراضي المصرية.
وقد مثّل الظرف الإقليمي المتمثل بالأزمة الخليجية السياق الذي دفعت عبره القاهرة بدحلان "تطرح عودة دحلان إلى القيام بدورٍ في غزة، مدعومًا بأجندة مصرية - إماراتية إسرائيلية سؤالًا كبيرًا" لاستعادة دوره في قطاع غزة، وعقد مصالحة فلسطينية، تضمن من خلالها القاهرة استدراج جميع الأطراف إليها، بوصفها بوابة القطاع المغلقة، والتي يمكن أن تفتح. ويرغب النظام المصري، بعد تعزيز دوره في المشهد الفلسطيني، في حجز مقعد في أي ترتيبات مستقبلية تطرحها إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تتعلق بالقضية الفلسطينية. وقد تعهّد النظام المصري بتقديم تسهيلات لقطاع غزة، مقابل إجراءات حمساوية مصاحبة لها، ترتب عليه بيان حركة حماس القاضي بحل اللجنة الإدارية، والتعهد بتمكين حكومة التوافق، والموافقة على إجراء الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية، وفتح جميع الملفات العالقة
موقف السلطة الفلسطينية جاء الاتفاق بين "حماس" ودحلان في وقت تشتد فيه الضغوط الأميركية والعربية التي تتعرّض لها السلطة الفلسطينية منذ وصول إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى الحكم. وفضلًا عن تجاهل واشنطن "حلّ الدولتين"، وتزايد النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي "تسعى السلطة الفلسطينية إلى تلمّس موقعها في خريطة القوى الجديدة في غزة" الفلسطينية المحتلة، أقرّت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي مشروع قانون "تايلور فورس" الذي يقضي بوقف المساعدات السنوية الأميركية للسلطة الفلسطينية، والتي تبلغ قرابة 300 مليون دولار أميركي، إلا في حال أوقفت السلطة مخصصاتها الشهرية المقدمة للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، في تبنٍّ كامل لموقف الحكومة الإسرائيلية. وقد قرأ الرئيس الفلسطيني اتفاق "حماس" مع القيادي المفصول في حركة فتح، محمد دحلان، بأنه موجَّه ضده، في ضوء استمرار مساعي الإمارات ومصر، ومن ورائهما إسرائيل، لتقديم دحلان بديلًا منه. لكن، في المقابل، سيسعى محمود عباس إلى استغلال تنازل "حماس" عن السلطة في غزة لتعزيز شرعيته من خلال عودة القطاع إلى حضن السلطة الفلسطينية، وإعادة العمل إلى مؤسساتها فيها، بدلًا من ترك تيار دحلان يستعيد مواقعه فيها.
خاتمة يمكن القول إن الخطوة التي أقدمت عليها "حماس"، حلّ اللجنة الإدارية والدفع نحو تسليم السلطة في القطاع إلى حكومة التوافق الوطني، مقابل رفع الحصار عن غزة والحصول على دعم مالي إقليمي، يخفف من ظروف الحصار الصعبة ومعالجة مشكلة 42 ألف موظف، عينتهم "حماس" عقب سيطرتها على القطاع في 14 حزيران/ يونيو 2007، قد تسمح للحركة بالتخفف من عبء إدارة حياة نحو مليونَي فلسطيني في القطاع في أوضاع إقليمية صعبة. وتصرّ "حماس" مقابل ذلك على الاحتفاظ بقوتها العسكرية الضاربة، بوصفها حركة مقاومة. وهو ما بدأ محمود عباس في التعبير عن رفضه. إنّ مهمة الاحتفاظ بمشروع المقاومة من دون السلطة هو في حد ذاته مشروع مقاومة غير سهل، على الرغم من قوة "حماس" العسكرية التي لا يستهان بها ونفوذها الذي حققته في القطاع، وعدم قدرة السلطة الفلسطينية على مواجهتها، فخلافًا لحالة حزب الله تجاور غزة مصر وليس سورية، ولا يوجد في حالتها من يقوم بدور إيران، من دون موافقة مصرية بعد التوصل إلى اتفاق. وهذه أمور ستتضح قريبًا. من جهةٍ أخرى، تطرح عودة دحلان إلى القيام بدورٍ في غزة، مدعومًا بأجندة مصرية - إماراتية إسرائيلية سؤالًا كبيرًا بخصوص قدرة مشروع "حماس" ومشروع دحلان على التعايش في ضوء التناقض الشديد بينهما. في هذا الوقت، تسعى السلطة الفلسطينية إلى تلمّس موقعها في خريطة القوى الجديدة في غزة، خصوصا أنّ إجراءاتها بحق القطاع، وموقفها من الانقسام أعطت المجال لمصر والإمارات للمناورة، ولخصمها اللدود، دحلان، بالعودة من بوابة فكّ الحصار عن القطاع، للقيام بالدور المناط به إقليميًا ودوليًا على الساحة الفلسطينية.