تتناول وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لوزير الأسرى السابق في السلطة الفلسطينية أشرف العجرمي, وهو يلقي كلمة بلغة عبرية ركيكة في "المركز الأورشليمي لأمور الجمهور والدولة" في حي القاطمون في القدس المحتلة أمام مجموعة من العسكريين والسياسيين الإسرائيليين, وذلك بمناسبة مرور 24 عاما على اتفاقية "أوسلو".
في كلمته يقول الوزير السابق العجرمي إن الحافز الأكبر لمنفذي عمليات الطعن هي مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية والنفسية, وبالنسبة لرواتب الأسرى يقول الوزير السابق إن المسؤولين عن سن القانون هم أعضاء حماس في البرلمان لكنه عندما كان وزيرا رفض تطبيق القانون لأن في ذلك تشجيع على العنف واكتفى بدفع القليل من المال لعائلات الأسرى, وأضاف أن الضحية أو الشهيد الفلسطيني يقوم بعمليته دون أن يفهم إلى أين يبعثه تنظيمه, وأن القيادة الفلسطينية تقوم دائما باستنكار "الأعمال الإرهابية" ضد مواطني "إسرائيل" وحتى في الأراضي المحتلة عام 67, ويضيف العجرمي أن المسؤول عن تسمية الشوارع هي المجالس المحلية التي يتواجد بها ممثلون عن حماس والجهاد الإسلامي وهم من يقررون إطلاق الأسماء على الشوارع, ويقصد بذلك اسماء الشهداء.
مثل هذا الخطاب وهذه الكلمات تغضب وتستفز كل فلسطيني حر لما فيها من إهانة وتحقير للأسرى والشهداء وعائلاتهم, بكلمته يعرضهم على أنهم أغبياء لا يحركهم شعورهم الوطني وظلم الاحتلال, بل مشاكلهم النفسية والاقتصادية والاجتماعية, وليست نتيجة الجرائم التي ارتكبها ولا زال يرتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين، ولذلك فإن المسؤولية تقع على عاتق التنظيمات وليس على عاتق الاحتلال, بل على العكس – يقول العجرمي إنه و"إسرائيل" شريكان في محاربة هذا "الإرهاب"، ويقصد العمليات الفدائية, كل بطريقته, هو باستنكاره وتجفيف الأموال لعائلات الأسرى و"إسرائيل" بعمليات الإعدام والسجن.
مثل هذه الكلمات كنا قد سمعناها في الماضي من قبل ممثلين عن السلطة الفلسطينية وأبو مازن شخصيا, ولذلك يأتي السؤال لماذا استفز وأغضب هذا الخطاب مشاعر الفلسطينيين بشكل خاص وأثار كل هذه الضجة.
من الاستماع إلى كلمة الوزير العجرمي نفهم أنه يضع نفسه في خانة واحدة وصف واحد مع الإسرائيليين ضد "المتطرفين" الفلسطينيين من حماس والجهاد الإسلامي وحتى أجزاء من فتح, فهو يتحدث عن الفلسطينيين بلغة الغائب وكأنهم طرف آخر, وهو ليس منهم, انه في صف واحد مع الإسرائيليين, وهو لا يكتفي بذلك فهو يحرض عليهم أمام أصدقائه الإسرائيليين, فهم المسؤولون عن هذه الأعمال الخطيرة.
العجرمي الذي يتحدث بلغة عبرية مكسرة تثير الاستهزاء, وليس بلغته العربية يريد أن يقول للإسرائيليين الذين يخاطبهم إنه منهم ومثلهم, وهو يختلف عن الطرف الآخر, وما يقوم به الطرف الآخر لا يمثله, بل هو عمل على إفشال القانون الذي كان وراءه نواب حماس في البرلمان.
الحضور الذي يلقي أمامه الوزير السابق يثير الغضب والاستفزاز, فهو يلقي كلمته في "المركز الاورشلمي للجمهور والدولة", ويدير هذا المركز الفاشي والعنصري "دوري جولد", ويشارك في إدارته إرهابيون كبير شاركوا في إعدام الفلسطينيين مثل الإرهابي عوزي ديان المسؤول عن عمليات إعدام وقتل كثيرة بحق الفلسطينيين, ويعرف المركز نفسه أنه يتركز في الأبحاث والتحليل الاستراتيجي لدعم مواقف "إسرائيل" في قضايا القانون الدولي و"الإرهاب" العالمي وفحص أفكار لاستمرار تفوق إسرائيل. هذا المركز لم يدع الوزير لإلقاء كلمته محبة واحترام له وإنما كجزء من إستراتيجيته للتعرف على عدوه وبهذا بعلم أو بدون علم يخدم العجرمي الصهاينة ضد أبناء شعبه.
أما المكان الذي أقيم به هذا اللقاء فهو يقع في بيت فلسطيني مهجر في حي القاطمون في القدس الغربية, والذي تم تغيير اسمه إلى شارع تل حاي 13، المشاركة في بيت مهجر مع صهاينة يثير مشاعر الفلسطينيين عامة والمهجرين خاصة لما فيه من اعتراف بشرعية عمليات النهب والسلب والتهجير.
ولعل ما يزيد من الغضب والاستفزاز أننا كنا نتوقع ممن كان وزيرا للأسرى وكان أمينا على قضايا الأسرى وعلى علاقة مباشرة مع عائلاتهم أن يكون أكثر حساسا لمثل هذه القضايا وليس طابورا خامسا.
أما ما يتداوله الوزير ففيه تصغير وتحقير لقضية فلسطين, فتبدو في خطابه أن قضية فلسطين مختصرة في دفع رواتب الأسرى وتسمية الشوارع, هذا ما أراده الإسرائيليون وهذا ما نجحوا به، لم تعد قضية فلسطين العودة والقرى المهجرة ومجازر الاحتلال ومحاكمة الصهاينة وأملاك المهجرين وتطبيق نظام ابرتهايد والقوانين العنصرية الإسرائيلية, أنها مجرد قضية تسمية الشوارع, وحتى عندما يتم تصغير قضية فلسطين إلى تسمية الشوارع فلا يذكر أن أسماء الشوارع في "إسرائيل" تحمل أكبر مجرمي الحرب والقتلة مثل "شارون وشامير وبيغن ورابين".
وأخيرا عندما يقف أحرار العالم إلى جانب الفلسطينيين في مقاطعة "إسرائيل" للضغط عليها نجد أن الوزير يهرول إلى القدس المحتلة للتملق للصهاينة والتحريض على أبناء شعبه.
أما عندما تم نشر الخبر في الصحافة العبرية فقد أنكره الوزير العجرمي واتهم الصحافة الصهيونية بمحاولة لبث الخلاف ظنا منه أنه لا يوجد تصوير فيديو, وعندما تم نشر الفيديو لاحقا اعترف بذلك معللا بعذر أقبح من ذنب. وهذا ذكرنا بخطاب صديقه جبريل الرجوب حتى بدا الأمر كأنه منافسة بين رجال السلطة حول من يتنازل لإسرائيل ويتملق لها أكثر.