كان موسم النبي روبين في شهر آب عام ١٩٤٦، آخر احتفال لتراثٍ فلسطيني استمر أكثر من ألف سنة، تراث تستدل منه حضارة وعراقة شعب فوق أرضه، تم التخلص منه وطمسه ضمن عملية التطهير العرقي والثقافي التي تعرض لها الفلسطينيون، فيما بات يعرف باسم نكبة فلسطين.
في موسم النبي روبين الأخير شارك أكثر من خمسين ألف فلسطيني، حضروا إليه من كل حدب وصوب، زرافات وجماعات، من غزة حتى راس الناقورة، ومن عكا وحيفا حتى نابلس وأريحا، عائلات بأكملها، بعضهم يصلون راكبين على الجمال، وآخرون بالسيارات والشاحنات.
أهالي يافا، التي تقع على بعد ١٤ كم شمال النبي روبين، كانوا يفضلون الوصول إليه عبر البحر، بالسفن الشراعية، أما أهالي مدينة الرملة، التي تبعد ١٥ كم إلى الشرق، فيبدأون الاحتفالات بمسيرة تبدأ في الرملة وتنتهي في قرية النبي روبين، جميعهم محملين بالعدة والعتاد لقضاء شهر بأكمله، هكذا تتحول فجأة النبي روبين من قرية وادعة هادئة إلى مدينة صاخبة.
يبدأ الموسم مع ظهور أول هلال في شهر آب من كل عام، كان يتزامن ذلك مع انتهاء موسم قطيف الحمضيات في منطقة يافا حتى اعتبروه احتفالاً بانتهاء موسم الحمضيات.
لم يكن هذا الحدث مختصرًا على فئة محددة من الناس، كان يشارك به الجميع، الأغنياء والفقراء ومتوسطو الحال، ولم يكن حدثًا دينيًا، فقد شارك به المسلمون والمسيحيون وحتى اليهود.
كان حدثًا وطنيًا بامتياز، تتمنى كل سيدة فلسطينية أن تشارك وعائلتها بها، حتى قيل بروح الفكاهة، ان السيدة الفلسطينية "تهدد" زوجها بقولها "يا بتروبني يا بتطلقني" لحثّه على المشاركة باحتفالات موسم النبي روبين.
مع وصول الوافدين تبدأ كل عائلة بنصب خيمتها وترتيب أغراضها، حتى بدت المنطقة كأنها ورشة عمل كبيرة، كل يحاول أن يكون الأقرب إلى قبر ومقام النبي روبين، للحصول على بركة أكبر.
ويعتقد الفلسطينيون أن النبي روبين ابن يعقوب مدفون في هذا المكان، بينما يعتقد اليهود أن قبره موجود شرقي الأردن.
ويقع بالقرب من المقام مسجد النبي روبين والذي تم بناؤه ع في أوائل القرن الخامس عشر، وبعد الاحتلال قام الصهاينة بهدم مئذنته وتدنيسه ومنع الصلاة فيه.
أما عدد سكان القرية فقد بلغ قبيل التهجير والنكبة حوالي 1500 نسمة لم يبق منهم أحد، وتقع القرية بالقرب من نهر روبين (وادي السرار او سيل سوريك) وعلى أراضي القرية أقام الصهاينة عام 1950 مستعمرة غان سوريك.
لم يقصد الفلسطينيون موسم النبي روبين للاستجمام والراحة فحسب، بل كانت مناسبة يقضون به نذرًا نذروه، أو لتطهير أبنائهم الصغار أو قص شعورهم لأول مرة، ومع مرور الزمن تحوّل إلى مهرجان ضخم تعرض به المسرحيات، ويقص به الحكواتي حكاياته، وقد تم في الموسم الأخير عرض الأفلام لأول مرة.
كانت هناك حلقات دينية صوفية ومحاضرات ودروس في الدين، كانت مناسبة للتعارف وإقامة الأعراس، كان مهرجانًا فلسطينيًا كبيرًا.
خلال الانتداب البريطاني ضغط الصهاينة على الانتداب لإلغاء موسم النبي روبين خشية أن هذا التجمع الفلسطيني يشكل انتفاضة ضد الوجود الصهيوني في فلسطين، واستجاب الانتداب البريطاني وقام بإلغاء "المهرجان" بين السنوات 1936-1939.