غزة-خاص قُدس الاخبارية: فنان بروح جميلة ورسومات توحي بانعكساتٍ نفسية عميقة، متأثرًا بفنانين عظماء من بينهم الرسام الياباني هاياو ميازاكي، عكست لوحاته ما بداخله من الحزن والوطنية والأمل والضوء والحب، لم يفهمها أحد إلا بعد وفاته.
معاذ الحاج (30 عاماً) ولد في الإمارات وأصبح يتيم الأم بعد ستة شهور من ولادته، ومن ثم تربي في بيت جدته في غزّة حتى عمر الخمس سنوات، ومن ثم عاد إلى الإمارات ليكمل حياته مع خالته التي أصبحت أمه بعد زواج والده منها، لكي تربيه مع شقيقاته الثلاثة وتنجب له اختين وأخ.
مرة أخرى يعود إلى غزّة، ليكمل دراسته الثانوية، وبعد سنة من استقراره فيها صدم بوفاة والده المصاب نتيجة إصابته بالسرطان، ولكن الصدمة الكبرى تجددت بعد 11 عامًا وجود معاذ في غزة، وكانت هذه المرة فاجعة لعائلته وليس له، عندما عُثر عليه متوفياً على سريره بسكتة قلبية أحزنت قلوب أحبائه وأصحابه، عقب انعزاله ليومين.
حياته
السيد عبد الناصر الحاج (51 عامًا) تحدث عن ابن أخيه "معاذ" واصفًا إياه بأنّه "هو شاب خلوق ومؤدب ووسيم والجميع يشهد له بحسن تعامله، كان جزء من عائلتي لم يفارق بيتي وسفرة طعامي، ومخيم النصيرات يعرفه من صغيره إلى كبيره".
أما عن ظروف وفاته أوضح لـ"قُدس الإخبارية"، "في الفترة الأخيرة كان يبدو أنه يشعر بأنه سيفارق الحياة ولاحظت ذلك من خلال تصرفاته، حيث أصبح خجولاً بشكل غير طبيعي يستأذن الدخول إلى بيتي من أجل الأكل أو الجلوس به وهذه لم تكن عادته من قبل، وفي الثلاثة أشهر الأخيرة طلب بأن يتزوج ووافقنا على طلبه، وكان لديه أشياء غريبة لم أتعود عليها منه".
ويضيف قائلاً، "عندما فقدته لم يكن الأمر غريباً لأني متعود على الشباب يغيبون عن بيوتهم يوماً واثنان، حتى عند الاتصال بمعاذ في العادة لا يعود لمن يتصل به مرة أخرى لذا كنت انتظر رده ولكن في اليوم الثاني قلقت جدا، واتصلت بأخواته المتزوجات في غزة أخبروني بأنه لم يتصل بهن، لذا طلبت من ابني الذي يسكن أسفله بالذهاب إلى شقته وعندما لم يرد كسرنا الباب عليه ووجدناه نائمًا بوضعيته الطبيعية مغلق فمه وعيناه وعندما تم نقله إلى المشفى أقرّ الطب الشرعي بأنه توفي نتيجة سكتة قلبية بلحظة نومه بمعنى قبل 48 ساعة من العثور عليه في شقته".
تعليمه
أما عن دراسته الجامعية، قالت ابنة عمته أمل الحاج "درس في كلية التجارة بالجامعة الإسلامية، ولكنه لم ينتهي دراسته لحتى اللحظة، النظام التعليمي لم يعجبه، كان يحب كل ما هو غريب ومثير، وكان يعتبر نظام الجامعة لم يثير لديه أي فضول لكي يستمر بالدراسة ويتخرج من الجامعة بسرعة، وفي الوقت ذاته كان العاملين بالجامعة والأساتذة متعاونين جداً معه ومساندين له وكان معاذ محاط بهالة جميلة تجعله حالة مميزة لدى الجميع ".
وتضيف لـ"قُدس الإخبارية"، "كان يعيش مع مواقع التواصل الاجتماعي يبحث عن المعلومات ويوسع مداركه العلمية، من يسأله عن شيء يجد الاجابة حاضرة فهو إنسان مثقف، ابتعد عن الناس لأن لم يجد أحد يفهمه، فهو لا يحب مواجهة الناس ولا يحب الشهرة ويبتعد عن فرص العمل لأنه عانى في غزة ولا يريد الذل بها أكثر من ذلك"، اختتمت حديثها قائلة " معاذ مات قهراً".
حزنه وموهبته
عبد الله (29 عاماً) صديقه المقرب يقول، "تعرض معاذ لصدمات متتالية، بدأت بطفولته اليتيمة التي عاشها بدون والدته، ومن ثم وفاة والده بمرض السرطان ومن ثم زوج أخته الكبرى منال، بالإضافة إلى عيشه ظروف صعبة في غزة لم يستطع استيعابها والتكيف معها، جميع هذه الأحداث تراكمت بداخله ولم يستطيع تحملها، الشيء السلبي به أنه يحب الوحدة والانعزال بعيداً عن الناس، لحظة الموت لم نكن نتوقعها فكانت صعبة ومفاجأة فلم أشعر بذلك خلال حياته إلا بعد وفاته، فعندما تابعت المنشورات اتضح أن بداخله حزن كبير جداً أفقده الحياة".منال الحاج (35 عاماً) أخته الكبرى التي تزوجت في قطاع غزة وبعد فترة من زواجها توفي زوجها، وانتقلت إلى بيت أخيها معاذ وعاشت معه خمسة سنوات، لم تتوقف دموعها خلال الحديث وهي تقول، "لا أصدق أن معاذ رحل، قبل يومين من وفاته كنت أنا وأختي معه في البيت وتناولنا الغداء معاً وسهرنا سوياً وضحكنا، لم ألاحظ عليه شيئاً غريباً، فراقه صعب، كسر قلبي وأنهك جسدي، يوجد بقلبي حرقة كبيرة".
وتضيف قائلة عن موهبته:" معاذ منذ الصغر يحب الرسم ويهتم بمشاهدة مسلسلات الكرتون، رافقه ذلك الحب حتى الكبر وبرع في رسمها، حيث شارك في عدة مسابقات وحصل على المراكز الأولى ولكن لم يحب الظهور كثيراً، ونغمات مسلسلات الكرتون متواجدة في جواله حينما تتصل به تسمعها، كان يجعلنا نشاهد جميع المسلسلات معه، وأكثر مسلسلات الكرتون الذي يحبها هي مرحلة الطفولة التي كنا نشاهدها ونحن أطفال، معاذ فقد طفولته لذلك ظل متعلقاً بها ومتعايش بداخله بحياة طفولية وروح بريئة مرحة، آخر أغنية أسمعني اياها هي تتر مسلسل الكرتون "كليمونتين".
مخيّمه يشهد
تأثر مخيم النصيرات برحيله كثيراً وخيم الحزن عليه، حيث قالت ابنة عمه ندى الحاج (20 عاماً)، "معاذ ترك بصمتين في مخيم النصيرات فحينما جاء طفلاً صغيراً كان معروف بأنه يتيم وجميع البيوت فتحت له، وعندما أخذه والده إلى الامارات وهو بعمر الخمس سنوات، أي طفل يولد بعده في المخيم يسمونه معاذ، وعندما جاء وهو شاب عرف في المخيم بفنه وتصميمه للديكور فلم يبنى بيت إلا ووضعت تصاميمه به ".
من سمع بقصة معاذ أخذ يبحث عن صفحته ويدعو له بالرحمة، تأثر برسوماته الكثيرين، فان منشوراته تدل على حزن عميق بداخله وروح بريئة لم تعش الطفولة بسبب فقده للحنان، الكاتب محمود جودة نشر على صفحته " الفيس بوك" منشوراً يتحدث به عن حياة معاذ المؤلمة.
حيث أوضح لـ" قدس الاخبارية" ما شعر به قائلاً، "لا أعرف معاذ ولكنه من المتابعين لي على صفحة الفيس بوك، عندما كتبت عنه شعرت بنوع من الانكسار بأنني لم أستطع تقديم أي شيء له ولو جزء يسير من الأمل لروحه، كتبت منشوري لأن الحالة نفسها يجب أن يكتب عنها، وعن حزنها وفقدها، إن وجود الأهل والأصدقاء شيء خارجي ثانوي، معاذ كان داخلياً مشتاق ويبحث عن أشياء، والفنان له حياته الداخلية التي لا يعرفها الغير، الحالة التي كان بها ليست طفولة بل هي نكوس لمرحلة لم يعيشها، وهذا الشيء يؤكد أنه على الرغم من وجود أهل وأصدقاء لم يكن كافيا له فاستمر بالعزلة الداخلية".