غزة – خاص قدس الإخبارية: لا أحد يستطيع إخفاء ما خلفته الحروب المتتالية التي أرهقت قطاع غزة وما نتج عنها من دمار جسدي ومادي، فأن تعيش بلا قدمين أمر لا يحتمله أحد سوى من أراد أن يحقق ذاته ويتحدى ظروفه.
شاب في مقتبل العمر أفقدته الحرب قدميه فجنت عليه بالتنقل على كرسي متحرك، لكن الأمل كان الصديق الصدوق والإرادة مفتاح الفرج، بتحديه لظروفه وقسوته على نفسه استطاع أن يحصل على لقب أول غواص في فلسطين، تلك الرياضة التي يصعب على الأصحاء اتقانها فكان فاقد الأقدام الأجدر بها.
خليل الجديلي الشاب ذو ال(٢٤ عاما) استطاع بذكائه وتحديه أن يصل إلى تحقيق حلم كان يحسبه بعيدا، وتسطير رسالة من صمود لفاقدي الأمل بالحياة.
صناعة الأمل
يقول خليل الجديلي ذو ال(24 عاما): "فقدت قدامي نتيجة تعرض منزلي للقصف الإسرائيلي في حرب ٢٠٠٩ ، ولكني لم أفقد الأمل ولم أستسلم بل أصررت على أن تكون لي بصمتي الخاصة بالحياة فأصبحت أمارس رياضة الغوص بأعماق البحر، وبرك السباحة"، مبينا أنه الآن يُعد أول غواص في فلسطين والوطن العربي بلا قدمين.
وتحدث الجديلي عن بداية نجاحه لـ"قدس الإخبارية"، فيقول: "في عام 2010 سافرت إلى دولة الإمارات العربية لتقي العلاج، وبعد انتهاء فترة علاجي التقيت بأحد الغواصين بإمارة دبي، فاقترح عليَّ خوض غمار هذه التجربة،فوافقت على هذا العرض، فكانت تلك التجربة أولى أبواب الأمل لدي.
وتابع وفي عينيه لمعة تنم عن نجاح مبهر: "توجهت أنا والغواص إلى قرية الغواصين بمدينة دبى للاستفسار عن إمكانية ممارستي للتلك الرياضة، وبعد تفهمهم وضعي الصحي والتحقق من عدم وجود أية مشاكل في القلب وافقوا، وتسلم تدريبي عدد من المدربين الأجانب لتعليمي المهارات، وكيفية التواصل تحت الماء بالإشارة، والحركات اللازمة.
وعلى الرغم من أن الشاب الجريح الجديلي لا يُجيد السباحة، إلا أن تحفيز رفقائه شكل دافعا له بخوض المغامرة، فيضيف: "ومع ارتدائي لبدلة الغوص ووضع جرة الأكسجين على ظهري انتابني شعور لا يوصف، وهذا ما دفعني للإصرار على إتقان هذه الرياضة والتغلب على ظروفي".
وعن خوض التجربة يؤكد الجديلي أنه تفاجئ بالعالم الآخر الموجود تحت الماء، حيث جمال خلق الله وعظيم إبداعه وصنعه، لافتا إلى أنه استطاع بالتدريج التنقل بين أعماق مختلفة من 6 أمتار إلى 10 أمتار، مستخدمًا أدوات الغطس.
الحصار والاحتلال
وتابع بقوله:" أحببت رياضة الغوص كثيراً فأردت الالتزام بها، كيف لا وقد وجدت بها المتعة والترفيه عن النفس، ورأيت أسرار المياه من الداخل، وأصبحت أهوى هذه الرياضة، فبعد عودتي إلى قطاع غزة، قرأت عشرات الكتب التي يمكن أن تُفيدني بإضفاء خبرات أخرى الى حياتي بالإضافة إلى خضوعي لتدريبات في برك السباحة بمساعدة أصدقائي"، مبينا أنه اكتسبت مهارات كبيرة وجديدة جعلته على استعداد لمنافسة غيره من الغواصين الأصحاء".
وبعد معالم فرح اعترت ملامح وجهه سكت الجديلي ونبرة حسرة في صوته ليقول: "على الرغم من ممارستي لرياضة الغوص بلا قدمين، إلا أنني لن أستطيع الغوص بأعماق البحار هنا وذلك لعدم توفر الأدوات اللازمة للغوص، نتيجة منعها من قٍبل الاحتلال الإسرائيلي خوفا من استخدامها لأغراض عسكرية، لذلك أضطر الذهاب إلى برك السباحة لممارسة هذه الرياضة التي أحببتها كثيراً".
ويوضح الجديلي أن إصراره على ممارسة تلك الرياضة لإيصال رسالة معينة فيقول: "ما يميز الغوص أن تحت الماء لا فرق بين ذوي الإعاقة والأصحاء، فكانت رسالتي لذوي الإعاقة، بألا يستسلموا لظروفهم، وأن يعيشوا الحياة كما يريدون، وأن لا يسمحوا للأخرين بأن يُملون عليهم كيف يعيشون حياتهم".
وأضاف: "منذ طفولتي كنت أحلم بدراسة العلوم الإدارية، فتحدى فقدانه لقدميه، والتحق بالجامعة، ودرس تخصص إدارة الأعمال في الجامعة الإسلامية بغزة، وحصل على درجة الامتياز، ولكنه كباقي الشباب في قطاع غزة لم يحصل على فرصة عمل".
ويلفت الشاب العشريني إلى أنه في البداية كان محبطا بسبب فقدانه لقدميه، ولكنه استطاع التغلب على كافة المصاعب، ليعيش حياته مثل باقي الأشخاص، فيكمل: "تزوجت وأنجبت طفلين، ولا أنسى فضل زوجتي التي ساعدتني كثيراً على نسيان أوجاعي".
وعبَّر الغواص الجديلي عن أمله بزيادة الاهتمام برياضة الغوص في قطاع غزة، وافتتاح نادي مختص لتعليم هذه الرياضة، والعمل على توفير أداوت الغوص وإدخالها إلى القطاع، متمنياً بأن يصبح مدرباً معتمدا لذوي الاحتياجات الخاصة.
غواص خارقمن جهة أخرى أكد مدرب السباحة الكابتن سراج أبو حمام لـ"قدس الإخبارية" على أنه يتمنى أن يتعلم عدد كبير من الشباب في قطاع غزة رياضة الغوص، وقال: "نحن دائما كلنا أمل بأن تتوفر الإمكانات والأدوات اللازمة لرياضة الغوص والتي يمنع الاحتلال دخولها للقطاع عبر المعابر، فذلك يعد عائقاً كبيراً أمام الشباب لتعلم هذه الرياضة".
يضيف: "ما توصل إليه الشاب خليل الجديلي أمر خارق للعادة، فليس من السهل إتقان رياضة الغوص بدون قدمين، فهما يساعدان الشخص كثيراً بالغوص، ولكنه هذا الشاب استطاع أن يستغني عن قدميه، ويحترف هذه الرياضة التي أصبحت جزءً من حياته".
وأوضح أبو حمام أن "الجديلي من الأشخاص المميزين فهو يمارس رياضة الغوص داخل برك السباحة دون استخدام أدواتها، أو حتى الاستعانة بأحد".