ورد في الأخبار على لسان صهاينة أن الأهداف التي قصفتها إسرائيل قرب دمشق فجر يوم الأحد 5/أيار/2013 تابعة لحزب الله، وفي هذا قمة الاستهزاء بعقول الناس، بخاصة عقول العرب.
واضح مما شاهدناه على الشاشات أن المواقع التي تم قصفها لا تحتوي على أسلحة استراتيجية، وإنما مواقع عسكرية عادية تختص بمسائل التموين والتزويد والذخيرة، وكانت مزرعة دجاج من جملة ما شاهدناه وقنابل هاون ومورتر، الخ. ربما كانت هناك بعض الصواريخ التقليدية، لكننا لم نشاهد صواريخ ثقيلة ذات حمولة تفجيرية كبيرة. المواسير التي رأيناه على الشاشة لا تتناسب مع الصواريخ التي تحسب لها إسرائيل حسابا في المعيار الاستراتيجي.
الأسئلة حول هذا الأمر كثيرة: لماذا يقيم حزب الله مزرعة دجاج قرب دمشق؟ ألا يوجد في لبنان مكان مكان مناسب فوق الأرض أو تحتها لإقامة مزرعة دواجن لتموين مقاتلي حزب الله وقت الحرب؟ ولماذا يرسل حزب الله عددا من أعضائه لرعاية مزرعة دجاج قرب دمشق، في حين أنه يستطيع إقامة المزرعة قرب بعلبك أو الهرمل وتوفير تكاليف السفر والإقامة المتلازمة مع غربة الدجاج؟ ثم ما هذا الذكاء العسكري الذي يفترض أمن الدجاج المربى قرب دمشق وعدم أمن الدجاج المربي قرب صور؟ ألا تتمكن إسرائيل من قصف أقفاص الدجاج إبان الحرب وهي في الشاحنات في طريقها إلى جبهة القتال؟ والمهم، هل لدى مقاتلي حزب الله وقتا كافيا لطبخ الدجاج وتحميره أثناء الحرب؟
ثم ما هي حاجة حزب الله إلى قنابل الهاون والمورتر؟ فهل ستكون الحرب إذا نشبت بدائية إلى هذه الدرجة؟ ربما يضطر حزب الله إلى تخزين بعض الأدوات القتالية مؤقتا في سوريا، لكن المواقع التي تم قصفها تعود إلى الجيش السوري منذ زمن بعيد، وهي ليست مخازن مؤقتة. وحزب الله حريص جدا من ناحية نقل الأسلحة وتخزينها، وهو لا يقوم بنشاطاته العسكرية والأمنية في العلن وأمام المشاهدين. والحزب يملك كل ما يحتاجه للحرب، وإذا اراد تهريب أسلحة كيماوية فإنه لن يتردد ولن يعجز عن ذلك.
بقصف الدجاج العسكري، أعلنت إسرائيل بوضوح عن دخولها المباشر في الصراع الدولي الدائر في سوريا. لم تتمكن الدول الغربية والعربية من التدخل العسكري المباشر في الصراع، ويبدو أن إسرائيل تشكل المخرج الأخير. وقد كان واضحا ترحاب سوريين بالقصف الإسرائيلي عبر مكبرات المساجد. هناك سوريون كبروا وهللوا للقنابل الإسرائيلية، وهناك سوريون عبروا عن سعادتهم بالحدث من على شاشات التلفزة الإسرائيلية.
ماذا لا تريد إسرائيل وماذا تريد؟
إسرائيل لا تريد بقاء النظام السياسي السوري القائم حاليا لأنه يقدم دعما للمقاومة، ولم يستجب جيدا لمسيرة التفاوض العربي معها.
وهي لا تريد الإخوان المسلمين لأنها لا تطمئن لهم وترى أنهم قد يظهرون النعومة لكنهم يضمرون السوء لها.
وهي لا تريد جبهة النصرة لأن هؤلاء لا يعرفون إلا القتل والتدمير، وسيشكلون مشكلة كبيرة لها وللسياسة الغربية في المنطقة إذا انتصروا.
لكنها تريد أمرين وهما:
تدمير سوريا، وفي سبيل ذلك لديها الاستعداد للتدخل الأمني والعسكري لإبقاء القتال مستعرا، ولا يهمها في ذلك من الذي يطلق النار ما دام القاتل والمقتول سوريين.
وإذا هدأت الحرب فإنها تريد نظاما سياسيا يشكله التحرريون الغربيون (الليبراليون الذين يدينون للغرب) والذين لديهم الاستعداد للتصالح معها على حساب الحقوق العربية.
نلاحظ أن غير المرغوبين إسرائيليا وبالطبع أمريكيا يتحاربون، والمرغوب بهم وغير المرغوب بهم شركاء في تدمير سوريا.
نتذكر جميعا كيف وقف النظام البعثي العراقي ضد النظام البعثي السوري، وأدت فرقتهما إلى ما آلت إليه الأمور الآن، ونتذكر كيف استمرت الحرب بين العراق وإيران على مدى سنوات بدعم مباشر أو غير مباشر من الغرب وإسرائيل. يبدو أن ذكاءنا لا يرقى إلى درجة التمييز بين القتل والتلهي، وأن صراعاتنا الداخلية تعلو على مؤامرات الخارج.
والحل
هيئة التنسيق السورية المعارضة هي المؤهلة لقيادة المعارضة، ومن غير الحكمة أن يبقى الإسلاميون جزءا من الائتلاف الذي تدعمه قوى خارجية تسيء للإسلام والمسلمين. وإذا أدركت جبهة النصرة أنها لا تستطيع تحقيق الانتصار فإنه من الممكن وقف القتال واللجوء إلى الحوار. وقد سبق أن تم طرح قائمة من المفكرين العرب للإشراف على الحوار وبتمويل من الحكومة السورية.
الاستمرار في النظر إلى أنقرة وموسكو وواشنطن وطهران يعقد الأمور بسبب الحسابات المعقدة لكل دولة. بإمكان بعض المثقفين والمفكرين العرب أن يتطوعوا نحو هدف وقف النزيف السوري، وتذليل مختلف العقبات دون تدخل خارجي، والأسماء يمكن الاتفاق عليها من قبل مختلف الأطراف.