شبكة قدس الإخبارية

ما ورثته "إسرائيل"... أساليب بريطانيا بالتضييق على الثّوار

حمزة العقرباوي

في محاولتها لإخماد الثورة الفلسطينية ( 1936-1939) المُطالبة بالحق والعدالة، بذلت الحكومة البريطانية كل جهدها لملاحقة الثورة والمتعاطفين معها منذ اليوم الأول للإضراب في 20/4/1936، وظهرت سادية الدولة وتوحشها من خلال الإجراءات القاسية كفرض الغرامات وهدم الأحياء والمنازل وتطويق القرى وفرض الحصار، وإغلاق الصحف والمجلات، وتعزيز الخلافات المحلية وإذكاء روح التنافس والصراع بين الفرقاء، ونفي النشطاء خارج البلاد واعتقال المئات دون محاكمات، حتى بلغ عدد المعتقلين سنة 1938، حوالي 2463 فلسطينيًا.

ومن الأساليب التي مارسها الاحتلال البريطاني في قمع الثورة، فرض قانون الطوارئ وقانون الأحكام العرفية الذي صدر عن المندوب السامي في 30 أيلول 1936 وبموجبه يتم اعتقال وملاحقة الناس بسيف القوة بعيداً عن القانون، واكتمل الأمر بإنشاء المحاكم العسكرية التي تقضي بالإعدام لكل من يحمل سلاحاً أو ذخيرة ولو 3 رصاصات، وأعلنت الحكومة في بلاغها الرسمي الصادر بتاريخ 11/11/1937، أن هذه المحاكم العسكرية تهدف إلى "القضاء على الإرهاب والتدمير واستئصالهما"، فأعدم حينها أكثر من 80 شخصًا، وحُكم على المئات بالسجن لفترات طويلة، ولأجل ذلك نقلت جميع السلطات في البلاد من السلطة المدنية إلى السلطة العسكرية.

  وقامت القوات العسكرية بسلسلة من الهجمات وعمليات التطويق والتفتيش الواسعة مستخدمة سلاح الجو والقوات المدرعة والمدفعية على نطاق واسع، وشيئاً فشيئاً أعاد الجيش بالفعل احتلال عدد من القرى وأقام بها حاميات عسكرية دائمة ليحرم الثوار من قواعدهم ومن العودة إليها، كما أعاد سيطرته على المدن، وصاحب ذلك عمليات الاعتقال الواسعة، والتي تعرض خلالها المعتقلون لأبشع أنواع التعذيب والإهانة.

أما سياسة نسف البيوت والأحياء فحدث عن ذلك ولا حرج، حيث عملت القوات البريطانية على نسف البيوت في المدن والقرى بلا تردد أو شفقة، ولعل أبشع تلك العمليات هدم البلدة القديمة في مدينة يافا العربية  بتاريخ 18 حزيران 1936، لمنع الثوار من اللجوء إليها والفرار عبر أزقتها، ثم نسفت في المرة الثانية بتاريخ 29/30 حزيران من العام ذاته.

  كما عملت الحكومة البريطانية على فرض العقوبات والغرامات المالية على المدن والأرياف والبدو، وقد شملت الغرامات المالية النقدية والعينية أكثر من 250 قرية. ومثال ذلك ما فرضته الحكومة يوم 25 حزيران 1936 على مدينة اللد، بعد أن هاجم الثوار قطار البضائع مما أدى لخروجه عن الخط ومقتل جنديين بريطانيين وسائق القطار، فتم معاقبة اللد وتفتيش بيوتها ونسف بعض المنازل وفرض غرامة مالية مقدارها 5000 جنيه فلسطيني.

ذات الإجراء طال مدينة اللد بعد إحراق المطار بتاريخ 16 تشرين الأول 1937، حيث فرض على مدينة اللد منع التجول لمدة 23 ساعة على مدار 4 أيام، وهدم منزلين وفرض غرامة 5000 جنية فلسطيني على الأهالي هناك.

وحين كانت القرى تعجز عن دفع الغرامة المالية فإن الحكومة البريطانية كانت تُجبر أبناء القرى على العمل لسداد قيمة الغرامة كما فعلت مع أهالي قرية "أندور" بدل غرامة 200 جنيه.

 والأعجب من كل ذلك أن تكون الغرامة تقديم 500 بيضة و 300 دجاجة وخمسة خراف كما فرضت الحكومة البريطانية على قرية عزون قضاء قلقيلية، إمعاناً من الحكومة في سياستها ضد الأهالي فإنها كانت تعمد إلى مصادرة المواشي والخيول والحمير والبغال، وإجبار الأهالي على نقل الأمتعة على ظهورهم.

 وكان يكفي لأن تُطلق رصاصة واحدة من أحد القرى، ليتم الرد على القرية كلها ومداهمتها والاعتداء بوحشية على الأهالي، حيث يعزل الرجال عن النساء ويتم جمعهم في وسط القرية ويباشر الجنود تفتيش القرية والعبث وإفساد ما بالبيوت، ويتلفون المونة وخزين الفلاحين من الزيت والحبوب، ويدمرون ما تقع عليه أيديهم من المونة والقوت اليومي.

 وفوق ذلك، فقد عملت الحكومة المحتلة على إقامة الحواجز في المدن وتفتيش الناس بطريقة مهينة ومذلة، واقتادت الفلسطينيين كدروع بشرية على الطرقات كي يكونوا في مرمى الثوار عند مهاجمة دوريات الإنجليز، وفرضت عليهم منع التجول لفترات طويلة وذلك للضغط على الأهالي وإجبارهم عن التخلي عن دعم الثوار.

وعمدت لإغلاق المؤسسات وحظر الهيئات العربية وحل الأحزاب ومنع بعض الفعاليات وإغلاق المساجد والأندية كما فعلت بإغلاق المسجد الأقصى المبارك بتاريخ 2/1/1939 كعقوبة للأهالي مانعة الأذان والصلاة فيه لثلاثة أيام.

لكن وعلى الرغم من كل هذه الإجراءات الفاشية وزرع الموت للناس في كل شيء، إلا أن الجماهير ظلت تؤمن بخيار المقاومة وتتعاطف مع الثوار، واستمرت الثورة حتى الأشهر الأولى من العام 1939، وهي سيدة الموقف وصاحبة الفعل الحقيقي على الأرض، واستطاعت الجماهير الفلسطينية حمل ثورتها وتحمل أعبائها والصمود بها في وجه الاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية لثلاث سنوات.