بالأمس وحتى فجر اليوم، احتفل المقدسيون في الأقصى وساحاته، بانتصارهم على المحتل في معركة فرض البوابات الإلكترونية والكاميرات الذكية على بوابات ومداخل المسجد الأقصى،ا لتي جرى تركيب الأولى منها ووضع قواعد وجسور تركيب الثانية، ضمن مشروع ورؤية صهيونية توراتية تلمودية، يغذيها فكر عنصري متطرف تستهدف في مآلها النهائي ليس فقط التقسيم المكاني للأقصى بعد أن نجحت في فرض تقسيم الزماني عليه، بل هدم مسجد قبة الصخرة وإقامة الهيكل المزعوم مكانه... ولذلك كان لا بد من خوض المعركة مع المحتل، معركة إعادة الوضع في الأقصى إلى ما قبل 14/تموز/2017.
فخاض المقدسيون هذه المعركة وأداروها بنجاح تكلل بانتصار في مجرى اشتباك انتفاضي مستمر ومتواصل مع المحتل، اشتباك سيعلو حيناً ويهبط حيناً آخر ارتباطاً بالواقع وحجم وعمق ومديات الصراع مع المحتل وأشكال عدوانه، ومن هنا أتت أهمية خوض المقدسيين لمعركتهم موحدين بكل مكوناتهم ومركباتهم وأطيافهم دينية ووطنية ومجتمعية وشعبية، دون أن نغفل بأن هذه الوحدة جرى إسنادها بشرياً من قبل شعبنا وأهلنا في الداخل الفلسطيني المحتل منذ عام 48، ولذلك من المهم أن نستشف قوة وأهمية العامل البشري والديمغرافي في المعارك الجماهيرية مع المحتل، معارك من شأنها أن تلجم عدوانه وتجبره على التراجع وإعادة حساباته معركة الأقصى ومعركة تشييع جنازات الشهداء المحاميد الثلاثة في أم الفحم.
نعم احتفل المقدسيون بنصرهم، ومن حقهم أن يحتفلوا بعد أن غابت عنهم الانتصارات لفترة طويلة، فهم صناع هذا النصر والأب الشرعي له، صنعته قبضاتهم في الميدان، صنعوه بصمودهم وثباتهم وبعمق انتمائهم، بوحدتهم وبمناصرة ومساندة كل الخيريين من أبناء هذه الأمة فلسطينيين وعرب ومسلمين، بعيداً عن زعاماتهم وقياداتهم التي حاولت أن تختطف هذا النصر وتنسبه لنفسها ولدورها، فنحن نعرف بأن العديد منهم أصبحوا عوناً للعدو علينا وليسوا سنداً لنا، وفي أحسن حالاتهم أصبحوا وسطاء أذلاء يستجدون نتنياهو، حل القضية، حتى لا تنفجر الأمور على نحو أوسع وتطالهم هذه الهبة الشعبية في تداعياتها ومفاعيلها، ونحن لسنا ناكرين للجميل، فكل شريف كان معنا من أبناء أمتنا العربية والإسلامية وأحرار العالم، نثمن له دوره وموقفه حتى لو كان بالكلمة أو النص أو الرسالة أو بقنينة ماء، وفي قضية الأقصى نرى بأن هناك واجب على العرب والمسلمين عليهم القيام به وتأديته، فالأقصى قضيته ليست دينية فقط، بل هي سياسية ووطنية بامتياز وتخص وتهم الجميع بدرجات.
سجاجيد صلاة المقدسيين المقاومة ولاحظوا كلمة المقاومة واشتباكهم في الكثير من الحالات من نقطة الصفر مع جيش الاحتلال، هذه الاشتباكات اتسمت بالجرأة العالية، ولعل الكثير منكم شاهد الفتى الفلسطيني بعد الدخول المقدسي الجماهيري للأقصى يوم الخميس الماضي، كيف صفع أحد جنود الاحتلال على رقبته.. فهذه الصفعة تعبير مكثف عن جرأة المقدسيين وكسرهم لحاجز الخوف مع المحتل وجنوده في هبات الاشتباك الانتفاضي المتواصل منذ 2/7/2014، عملية خطف وتعذيب وحرق الفتى الشهيد أبو خضير حياً.
المقدسيون ومن ساندوهم بكل ألوانهم وأطيافهم وانتماءاتهم ومعتقداتهم ومذاهبهم وألوان طيفهم السياسي والحزبي، هم الأب الشرعي لهذا النصر، وأما من يدَّعون نسبه لهم من قادة وزعماء فهم صناع هزائم وانهيارات.... هم من استدخلوا ثقافة الهزيمة و"الاستنعاج"،هم من أصبحوا يتهكمون على المقاومة خياراً ونهجاً وثقافة وزعماء وقادة،لكي يحاولوا ستر عوراتهم المكشوفة حتى من ورقة التوت، ولعل جميعكم تشاهدون الحملة المسعورة التي تقودها العديد من الدول العربية الخليجية وفي المقدمة منها السعودية، ومعها العديد من القوى والأحزاب السياسية العربية الدائرة و"المسترزقة" والمنتفعة من دولارات ونعيم تلك الدول، في شيطنة وتجريم قوى المقاومة العربية وفي المقدمة منها حزب الله اللبناني وأمينه العام السيد حسن نصر الله، وليصل الأمر حد تجريم العديد من قوى المقاومة الفلسطينية ووصفها بالإرهابية في القمة العربية – الإسلامية – الأمريكية في 20/تموز/ 2017 بالرياض، فليدعي هذا الزعيم إو ذاك وفريق المطبلين له ممن يأكلون من زاده ويتنعمون بهداياه وعطاياه ويحتلون مواقعهم ومناصبهم بفضل دعمه وإسناده، أنه الأب الشرعي لهذا النصر، ولكن شمس الحقيقة ساطعة ولا تحجب وتغطى بالغربال، وهي تقول لكم من هو الأب الشرعي لهذا النصر، ولعل الاحتفالات الشعبية والجماهيرية في ساحات الأقصى مساء الخميس والممتدة حتى فجر أمس الجمعة، التي أقامها المقدسيين، قالت بوضوح من هو الأب الشرعي لهذا النصر، قالت هم من كانوا يقفون بالساحات العامة ويرابطون على بوابات الأقصى في شمس حارقة لاهبة، ومعهم كل شرائح وفئات المجتمع المقدسي المقاومون من نساء وأطفال وفتيان وشبان يجهزون ويوزعون الأكل والماء على الجموع المحتشدة، ومن يتابعون الحدث والأحداث ويخوضون المواجهات مع المحتل ويتعرضون للقمع والتنكيل من إعلاميين وصحفيين وقنوات بث لإيصال صورة الحقيقة وفضح وتعرية المحتل.. وكذلك هي مرجعيات القدس دينية ووطنية وسياسية وجماهيرية، ومعهم طواقم الإسعاف والطواقم الطبية من الهلال الأحمر الفلسطيني والمسعفين العرب وجمعية نوران وغيرهم.
أيها المقدسيون أنتم صنعتم نصركم فاحتفلوا به، فهو نصر مقدسي بامتياز في مجرى اشتباك انتفاضي مستمر مع محتل غاصب، وابتعدوا عن الجدل البيزنطي والسفسطائي، ولا تدخلوا في نقاشات ومعارك جانبية، تنسيكم الهدف، ووجهتكم وبوصلتكم ونضالاتكم، لها عنوان واحد ووجهة واحدة، حماية المدينة المقدسة ومقدساتها وفي المقدمة منها المسجد الأقصى، فالمحتل دوره دائماً اللعب على التناقضات وإحداث اختراقات مجتمعية ووطنية، تفكك وحدة الموقف وتشتت الجهد وتحرف النضال الشعبي والجماهيري عن أولوياته وأهدافه.
نصركم أربك قادة الاحتلال وأدخلهم في أزمات، ونتنياهو رئيس وزراء اللحتلال تعرض لانتقادات قاسية، حول فشله في معالجة الأزمة وإدارة معركة الأقصى، ولم تفلح في إنقاذه من مسلسل الفضائح التي يتعرض لها بسبب الفساد والرشاوي، بل فشله في أزمة الأقصى عمقت من أزمته على الصعيد الحكومي، ومستقبله السياسي بات في خطر، ونائب رئيس شرطة الاحتلال قدم استقالته، والمتطرف بين زعيم البيت اليهودي، وأحد الداعمين لتركيب البوابات الإلكترونية على أبواب المسجد الأقصى، تحت ذريعة تقوية السيادة الإسرائيلية على ما يسميه بـ"جبل الهيكل"، خلص إلى أن نتيجة المعركة كانت أشبه بهروب الجيش الإسرائيلي الكبير من لبنان آيار/2000 ،والمستوطنين المرعوبين المذعورين حملوا تابوتاً عليه علم دولتهم، تعبيراً عن بداية نهاية دولتهم، وهذا نتيجة مباشرة لانتصاركم في معركة الأقصى.