توافق في هذه الأيام الذكرى الثالثة للحرب الثالثة على قطاع غزة، والتي شنتها (إسرائيل) من 7-7-2014 حتى 26-8-2014، واستمرت 51 يوما في ظل أوضاع اقتصادية و إنسانية كارثية غير مسبوقة، وذلك بعد حصار ظالم وخانق مستمر منذ 10 سنوات، حيث تعرض قطاع غزة إلى حرب إسرائيلية ضروس و طاحنة استهدفت البشر و الشجر و الحجر وحرقت الأخضر واليابس.
اليوم وبعد مرور ثلاثة أعوام على الحرب لم يتغير شيء على أرض الواقع، فما زال القطاع محاصرا، والأوضاع الاقتصادية تزداد سوءا، وكافة المؤشرات الاقتصادية الصادرة من المؤسسات الدولية و المحلية تحذر من الانهيار القادم لغزة.
فالمعابر التجارية المحيطة بقطاع غزة (المنطار –الشجاعية –صوفا ) مغلقة، باستثناء معبر كرم أبو سالم و الذي يعمل وفق الآليات التي كان يعمل بها قبل الحرب الأخيرة، ومن خلال رصد حركة الشاحنات الواردة عبر كرم أبو سالم خلال النصف الأول من عام 2017، فقد بلغ عدد الشاحنات الواردة خلال تلك الفترة 57264 شاحنة منها 55077 شاحنة للقطاع الخاص، وبلغ عدد الشاحنات الواردة كمساعدات إغاثية للمؤسسات الدولية العاملة بقطاع غزة 2177 شاحنة.
وبمقارنة عدد الشاحنات الواردة خلال النصف الأول لعام 2017 مع النصف الأول لعام 2016 نجد انخفاض عدد الشاحنات الواردة خلال النصف الاول من عام 2017 بنسبة 5%, وانخفاض عدد الشاحنات الواردة للمؤسسات الدولية و العربية العاملة بقطاع غزة بنسبة 75%.
أما على صعيد الشاحنات الصادرة من قطاع غزة إلى العالم الخارجي و الضفة الغربية و (إسرائيل) فقد بلغ عدد الشاحنات الصادرة خلال النصف الأول من عام 2017 حوالي 1630 شاحنة من المنتجات الصناعية والزراعية بنسبة ارتفاع عن عام 2016 بحوالي 64%, وبالرغم من ارتفاع نسبة الصادرات إلا أنها لم ترق للمطلوب، حيث بلغ معدل عدد الشاحنات الصادرة من قطاع غزة قبل فرض الحصار بما يزيد عن 5000 شاحنة سنويا.
أما بخصوص عملية إعادة إعمار غزة فحدث ولا حرج, فبحسب آخر تقرير للبنك الدولي فإن نسبة ما تم تلبيته من إجمالي احتياجات التعافي في خمسة قطاعات تأثرت بحرب عام 2014 لا تتجاوز 17%، إذ بعد مرور ثلاثة أعوام على الحرب لم تبدأ عملية إعادة الإعمار الحقيقية وما زالت تسير ببطء شديد ومتعثرة.
ومن أهم أسباب بطء وتعثر عملية إعادة الإعمار استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ ما يزيد عن 10 سنوات, و استمرار إدخال مواد البناء وفق الآلية الدولية العقيمة المعمول بها حاليا " آلية إعمار غزة "GRM، والتي رفضها الكل الفلسطيني منذ الإعلان عنها و ثبت فشلها في التطبيق على أرض الواقع, حيث إن كمية ما تم إدخاله من مادة الاسمنت للقطاع الخاص لإعادة اعمار قطاع غزة خلال الفترة من 14/10/2014 حتى 30/6/2017 بلغت حوالي 1.6 مليون طن، وهي لا تمثل سوى 33% من احتياج قطاع غزة للإسمنت في نفس الفترة, المقدر بحوالي 4.5 ملايين طن خلال نفس الفترة لتلبية الاحتياجات الطبيعية فقط، ولا تزال هناك حاجة إلى 46٪ من الاسمنت لحالات إعادة إعمار المساكن التي استهدفت خلال حرب عام 2014.
وانعكس ذلك بشكل واضح على بطء شديد في عملية الإعمار, وعلى سبيل المثال ما تم إنجازه في الوحدات السكنية المدمرة كليا, إعادة بناء 4274 وحدة سكنية من جديد من أصل 11000 وحدة سكنية دمرت كليا, وهي تمثل فقط 38,8% فقط من كافة الوحدات التي تم تدميرها بشكل كلي , وبلغ عدد الوحدات السكنية التي في مرحلة البناء 1516 و الوحدات السكنية التي يتوفر لها تمويل لإعادة إعمارها 1409 و الوحدات السكنية التي لا يتوفر لها تمويل لإعادة إعمارها 3801 وحدة سكنية.
ويقدر عدد الذين ما زالوا نازحين وبدون مأوى جراء الحرب، أكثر من 6300 أسرة, وتوجد فجوة عاجلة في المساعدة والحاجة لدعم مالي نقدي لنحو 5300 أسرة نازحة تقريبا.
أما على صعيد القطاع الاقتصادي فهو مغيب كليا عن عملية إعادة الإعمار, حيث بلغ عدد المنشآت الاقتصادية التي تضررت في كافة القطاعات ( التجارية و الصناعية و الخدماتية ) حوالي 5427 منشأه اقتصادية, وقدرت خسائرها المباشرة وغير المباشرة بحوالي 284 مليون دولار، كما قدرت تكاليف إنعاشها وإعادة إعمارها بحسب ما تم رصده في الخطة الوطنية للإنعاش المبكر و اعادة الاعمار بحوالي 566 مليون دولار، فلا يوجد أي جديد فحالها كما هي، حيث إن ما تم إنجازه في الملف الاقتصادي هو صرف تعويضات للمنشآت الاقتصادية بحوالي 9 ملايين دولار من المنحة القطرية وصرفت لحوالي 3195 منشأة من المنشآت الصغيرة التي تضررت بشكل جزئي بسيط و بلغ تقييم خسائرها أقل من سبعة ألاف دولار، بالإضافة إلى رصد مبلغ 8.6 ملايين دولار من المنحة الكويتية للشركات المتضررة في قطاع الصناعات الإنشائية والخشبية، ومجمل ما تم رصده للقطاع الاقتصادي لا يتجاوز 6.1% من إجمالي أضرار القطاع الاقتصادي المباشرة وغير المباشرة.
إن التأخر في إعادة الاعمار واستمرار الحصار أديا إلى تداعيات خطيرة على الاوضاع الاقتصادية في غزة, وهذا ما حذرت من تداعياته المؤسسات الدولية؛ حيث أدت تلك التداعيات إلى ازدياد عدد الفقراء و المحرومين من حقهم في الحياة الكريمة, فبلغت معدلات البطالة في غزة 41.1% في الربع الأول من عام 2017 بحسب مركز الإحصاء الفلسطيني, وبلغ عدد العاطلين عن العمل 206 آلاف شخص, و ارتفعت معدلات الفقر و الفقر المدقع لتتجاوز 65% وتجاوز عدد الاشخاص الذين يتلقون مساعدات إغاثية من الاونروا و المؤسسات الإغاثية الدولية أكثر من مليون شخص بنسبة تزيد عن 60% من إجمالي سكان القطاع.
وفي النهاية أتساءل للمرة المليون.. إلى متى؟ وما الحل؟، وما المطلوب؟