غزة – خاص قُدس الإخبارية: رغم صغر سنها وملامحها الطفولية، افترشت الأرض أمام أحد محال الحلويات وسط مدينة غزة، لانتظار خروج الزبائن لتسألهم أن يتصدقوا عليها ببعض المال مقابل دعوة منها بأن يحقق الله لهم أمانيهم.
حالها حال بقية المتسولين الذين لا يتركون مكاناً في قطاع غزة يعج بالمواطنين إلا ويجتمعون من حوله ليسألوا العطايا والصدقات ممن يجود عليهم من ماله، فبذلك يستغلون مهنة التسول لتكون مصدر رزقهم.
تنوع في الأساليب
وبالتزامن مع تراجع الحملة الأمنية التي قامت بها وزارة الداخلية في غزة لمكافحة التسول، عادت العصابات لغزو شوارع مدينة غزة مجدداً، ولكن بأساليب مبتكرة وجديدة لجمع الأموال من المواطنين، حيث عمد أحد المتسولين لإرسال طفليه أحدهما لإلهاء الناس والآخر لسرقتهم دون أن يشعروا.
وخلال المرور أمام محل للمثلجات في مدينة غزة استوقف مراسل "قدس الإخبارية" طفل يرتدي ملابسًا بحالة جيدة، وهوا يراقب الزبائن كالذي ينتظر فريسته المناسبة لينقض عليها بالتوسلات لكي يعطوه المال وتنتظره طفلة أخرى في حال احتاج للمساعدة والحماية.
اقترب مراسل "قدس الإخبارية" من الطفل وحاول معرفة قصته ومن يقف ورائه ويدفعه للتسول، فقال الطفل عبد الوهاب أبو جيابة (9 أعوام)، "أبي وضعني في هذا المكان لأجمع له المال وإذا لم آتي له بمبلغ جيد فإنه يطردني من المنزل".
"لست وحدي أقف هنا، بل أنا وأختي الكبرى حلا (11عاماً) لنجمع المال من الناس، ولكن احذر إختي فهي سارقة محترفة ستسلبك مالك من دون أن تشعر وتفر هاربة".
وما هي إلا لحظات حتى اقتربت فتاة قمحية البشرة تعتلي قسمات وجهها قائلة، "أعطيني شيكل أو أي مبلغ من المال لكي أدعوا لك"، وعندما رفض مراسل قدس الالتفات إليها أسرعت لتسرق المال منه.
"أتوسل إليك دعنا نكسب رزقنا لكي لا نتلقى عقاباً قاسياً من أبينا"، وانتظرا للحظات حتى جفت دموعهما ليعودا لمواصلة التسول.
يذكر أن قانون الطفل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2004م في المادة 43، يحظر استغلال الأطفال في التسول كما يمنع تشغيلهم في ظروف مخالفة للقانون أو تكليفهم بعمل من شأنه أن يعيق تعليمهم أو يضر بسلامتهم أو بصحتهم البدنية أو النفسية.
بدوره، أكد وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية يوسف إبراهيم أن عدد المتسولين في قطاع غزة لا يتجاوز 120 شخصاً حالياً، مبيناً أن 85_90% منهم يستفيدون من المساعدات التي تقدمها وزارته.
وقال إبراهيم خلال حديثه لـ "قدس الإخبارية"، "الأسماء التي وردت إلينا من خلال المباحث العامة تؤكد أن عدد المتسولين قليل جداً في قطاع غزة، وهذه الظاهرة تتمركز جغرافياً في مدينة غزة إلى حد ما وفي أوقات محددة فقط".
وأشار إبراهيم إلى أنها تزداد بشكل ملحوظ في شهر رمضان، وتخفي بشكل شبه كامل في فصلي الخريف والشتاء.
وشدد على أن وزارته تعتبر هذه الظاهرة مسيطر عليها وتعرف كل من يمارسها، مؤكداً أن الأجهزة الأمنية في غزة تلاحق جميع المتسولين حتى لا تتحول هذه الظاهرة إلى جرائم.
آليات للحل
ونفى إبراهيم مكانية أن تقوم وزارته وقف تقديم المعونات للمتسولين، مؤكداً أن انطباق الشروط الموضوعة من قبل الشؤون الاجتماعية عليهم يكون كافياً لاستمرار تقديم الدعم لهم، مؤكدًا أن فرقًا للدعم النفسي من الشؤون الاجتماعية تنظم زيارات مستمرة لهم لمحاولة التوصل لآلية لتخفيف ممارسة هذه المهنة.
وأردف إبراهيم لقُدس الإخبارية ، "حاولنا مخاطبة المتسولين غير المستفيدين من المساعدات التي نقدمها لتسجيل أسمائهم لدينا، ولكن تفاجئنا برفضهم القاطع نظراً لوجود فارق كبير بين المساعدات وما يجمعونه من مال يومياً".
ملاحقة أمنية
من جهته، قال الناطق باسم الشرطة الفلسطينية في غزة المقدم أيمن البطنيجي، "أنا ضد الحديث عن ظاهرة التسول في قطاع غزة مع أنها تزال موجودة حتى الآن".
وأوضح لـ "قُدس الإخبارية" أن وزارة الشؤون الاجتماعية هي المسؤولة بشكل رئيس عن متابعة ظاهرة التسول والمتسولين، مشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية تتحرك لملاحقة المتسولين وغيرهم بأمر من النائب العام فقط.
كما يذكر أن جهاز الشرطة في غزة أطلق حملة أمنية لملاحقة المتسولين في القطاع، استطاع خلالها إلقاء القبض على عائلات كاملة تمارس التسول كمهنة.
تضييق الخناق ومحاولة للحل!
تسول الأطفال أصبح ينتشر بشكل أكبر خلال الفترة الأخيرة كما ترى نغم أحمد الناشطة والباحثة الاجتماعية، قائلة "التسول للأطفال مهنة خطيرة على المجتمع الغزي في ظل نسب الفقر العالية التي تجتاح الأسر الفلسطينية، والتي قد يدفع البعض منها أبناءه إلى مهنة التسول".
وتضيف أحمد خلال حديثها لـ "قُدس الإخبارية"، " حين يفشل رب الأسرة تلبية احتياجات عائلته، يدخل في حالة من الإحباط ويبدأ بتضييق الخناق على بقية أفراد أسرته، الأمر الذي يدفع الأطفال لمهنة التسول بدلاً من تحمل أعباء الدراسة وواجباتها اليومية والتي تشكل هماً على الطفل".
وتلفت إلى أن تحول الطفل إلى متسول يكون بمثابة فشل الأسرة في تحقيق وظيفتها التربوية، حيث تمثل الأسرة وحدة أساسية في تكوين المجتمع وهو ما يشكل خطرًا على مستقبل غزّة بشكلٍ أكبر.
وتشير أحمد إلى أن ظاهرة تسول الأطفال تنتشر بشكل كبير في المجتمعات الإسلامية، حيث يستميل منظر الطفل في الملابس المهترئة عطف الكبار.
وعن آلية التصرف مع الأطفال الذين يتسولون من المجتمع، توضح أنه لا ينبغي مطلقاً اعطاء الأطفال المتسولين المال، بل ينبغي التوجه إلى أسرهم ومساعدتها في حال كانت فقيرة أو الابلاغ عنها في حال كانت تستغل أطفالها للعمل في التسول.
وتعتقد أن ثقافة تسول الأطفال أصبحت ظاهرة ينبغي الإسراع في معالجتها من قبل المؤسسات الحقوقية كافة المعنية بالطفل والجهات القانونية وأفراد المجتمع التي يجب أن يقوموا جميعا بدورهم تجاه الأطفال وتجاه من يرسل أطفاله إلى الشوارع لجلب المال.