يتعامل رئيس السلطة محمود عباس وحركة فتح مع مسألة الحكومة والانتخابات باعتبارهما شأناً بسيطاً يمكن حلّه بمجرد الشروع فيه، والتشاور بشأنه أو التوافق العام عليه.
ورغم أن فكرة الحكومة الواحدة كادت أن تتحوّل إلى حلم يناظر في الأهمية حلم العودة أو التحرير، ورغم أنه جيّد ألا تكون مسيّسة وأن تقتصر على أصحاب الكفاءات والقدرة على الإنجاز؛ إلا أن كل هذا لا يمثّل أي جانب مهم في تفاعلات المعادلة السياسية والوطنية الفلسطينية.
لدينا حالياً حكومتان، تلك هي قشرة المشهد الفلسطيني وحسب، وهي كذلك الشيء الوحيد الذي يجري تداوله والتعليق عليه وذمّه وشيطنته، أما الجوهر أو ما خلف القشرة فلا يكاد يحظى بأية التفاتة من عموم السياسيين والمحللين والمراقبين، وهنا ينبغي أن نسأل: ماذا عن اختلاف الواقع الجغرافي والسياسي بين الضفة وغزة، حيث في الساحة الأولى يهيمن الاحتلال بشكل مطلق، بينما في الثانية لا يملك أي نوع من الوصاية، وحيث في الأولى يتدخّل العالم كلّه لأجل الحفاظ على مكتسبات السلام الاقتصادي ويقدم أمواله المشروطة لبقاء السلطة، بينما الثانية ظلّت بمنأى عن أموال المانحين واشتراطاتهم. بل ماذا عن الواقع الأمني القاضي ببقاء الأولى ملتزمة باتفاقات أوسلو الأمنية وما تلاها وصولاً إلى الإشراف الأمني المباشر على عملها، بينما الثانية ظلّت إرادة أجهزتها الأمنية وطنية خالصة بعيدة عن الإملاءات؟!
ألن يشترط المانحون قبل دعم حكومة التوافق القادمة نبذ (الإرهاب) والاستعداد الدائم لمحاربته لكي تحظى برضا دولي، ولكي تضمن عدم حبس أموال الضرائب عند الجانب الإسرائيلي؟ ألن يعني هذا أن حماس ستكون الطرف الملزم بتقديم تنازلات سياسية في سيبل استمرار الرواتب؟ ثم ألن يعني أنها ستتحمّل مسؤولية تجويع الشعب الفلسطيني في حال رفضت مقايضة المقاومة بالمال المسيّس؟ أي أنه يراد إعادة الوضع إلى مرحلة 2006 حين كانت شروط الرباعية مقدمة على كل الاعتبارات وتكاد تدخل موسوعة الثوابت في عرف السلطة وحركة فتح!
إن كانت حركة فتح ستدير ظهرها لابتزاز أمريكا وشروط الرباعية ولن تكرّر ما فعلته عام 2006 فالقضية تستحق من حماس أن تطمئن إلى سلامة الخطوة، لأن فتح في هذه الحالة ستكون شريكاً في تحمّل تبعات تحدي الإرادة الأمريكية ومحاولة هيمنتها على القرار الفلسطيني، أما إن كان اليوم التالي لتشكيل الحكومة سيشهد سجالاً حول ضرورة الواقعية والمرونة أمام المطالبات الدولية وعدم انتهاج خطوات انتحار سياسية فالأسلم أن توفّر حماس على نفسها وعلى عموم الشعب الفلسطيني الغوص في مرحلة موحلة معروفة معالمها وخصائصها، وأن تستثمر جهودها في أولويات أخرى.
وبعيداً عن الواقع على الأرض الذي يقول إن ملفّ الحريّات في الضفة غير منجز، وإن حماس فيها ما زالت تعامل كتنظيم محظور خصوصاً على الصعيد المالي (والعسكري المقاوم بطبيعة الحال)، بعيداً عن كلّ هذا، أعتقد أنه إن لم يكن عنوان الحوار الفلسطيني والمشاورات السياسية هو كيفية التخلّص من الهيمنة الأمريكية وابتزاز الغرب فإن كل المبادرات السياسية تحمل من الغثاء أكثر مما تحمل من الخير، حتى وإن صوّرها الإعلام أولويات واجتهد المحلّلون في التعليق على قشور القضية، والتعقيب على تصريح هذا السياسي أو ذاك، أو المطالبة بإخراس المشككين في جدوى هكذا خطوة.
وإن أية خطوة تسهم في تأزيم الموقف السياسي وليس حلّه هي خطوة شكلية مشبوهة النوايا، حتى وإن قدّمت نفسها في غلاف جذّاب، وليس هناك ما يلزم الكل الفلسطيني بمباركتها لمجرّد أنها قُدّمت له في سياق مبادرات إنهاء الانقسام!