فلسطين المحتلة - قدس الإخبارية: بعيداً عن أي مناكفات أو تسجيل مواقف، وبغض النظر عن الطريقة والآلية التي تم فيها قرار إعلان الإضراب المفتوح عن الطعام في السابع عشر من هذا الشهر، ذكرى يوم الأسير الفلسطيني، فإن معركة الأسرى يجب أن تكون معركة الكل الفلسطيني شعبياً ورسمياً، فالحركة الأسيرة تتعرض إلى عدوان وحرب شاملة على حقوقها ومنجزاتها ومكتسباتها، وحتى كوجود تنظيمي، ولا يكاد يمر يوم واحد دون أن تتعرض غرف وأقسام الأسرى إلى عمليات اقتحام وتنكيل من قبل وحدات قمع السجون الإسرائيلية بمختلف مسمياتها حيث يجري الاعتداء على الأسرى بوحشية والقيام بعملية نقل وعزل قسري لهم، والهدف واضح كسر إرادة الأسرى وتحطيم معنوياتهم، وتفريغ الحركة الأسيرة من محتواها الوطني والكفاحي، واللعب على وتر الخلافات الفصائلية والتنظيمية والعمل على تغذيتها، بما يفكك ويضعف من دور الحركة الأسيرة في مواجهة إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية وأجهزة مخابراتها والمستوى السياسي الإسرائيلي.
معارك الإضراب المفتوح عن الطعام معارك كبرى وبحاجة إلى درجة عالية من اللحمة والتماسك والوحدة الداخلية بين كل مكونات الحركة الأسيرة، وهي أيضاً بحاجة إلى هيئة أركان قيادية موحدة مركزية، والى درجة عالية من الإعداد والتخطيط والتنظيم والتعبئة والحشد والتوعية، ولذلك خوض هذه المعركة يتطلب من كل الفصائل، أن لا تجعل المناكفات الداخلية والمصالح الحزبية والفئوية عائقاً أمام استعادة وحدة الأداة التنظيمية الوطنية للحركة الأسيرة، وهذه الخطوة النضالية الكبرى يجب أن تكون "بروفة" نحو استعادة الحركة الأسيرة الفلسطينية لوحدتها، وإزالة الحواجز والأقسام الخاصة بين أبنائها، بحيث ينتهي الوضع الشاذ بتقسيم الحركة الأسيرة على أساس الانتماء الحزبي والفصائلي، والدعوة هنا ليس دعوة لتذويب الفصائلية، بل هي دعوة لكي لا يكون في السجن الواحد أقسام خاصة بهذا الفصيل أو ذاك.
نجاح هذه المعركة النضالية، صحيح أنه رهن بصمود أبناء الحركة الأسيرة، وكيفية إدارة هذه المعركة بكفاءة عالية، وبما يمكن من هزيمة المشروع المضاد الذي تضعه إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية وأجهزة مخابراتها، لكي تفشل هذا الإضراب وتمنعه من تحقيق الأهداف والمطالب التي من أجلها انطلق، فهي تمتلك في جعبتها الكثير من الوسائل التي تلجأ إليها في مثل هذه الإضرابات، والتي يقف في المقدمة منها العزل لقيادات وكادرات الحركة الأسيرة التي تشكل العصب الأساسي لقيادة الإضراب، وكذلك منع التواصل بين الأسرى في السجن الواحد والسجون المختلفة، والعمل على بث الإشاعات والتضليل والتشكيك بين أبناء الحركة الأسيرة وسلسلة طويلة من وسائل القمع والترهيب لسنا بصدد الشرح والتطرق لها في هذه المقالة، ولكن ما هو هام هنا طول هذه المعركة أو قصرها، يتوقف أيضا على مدى الدعم والإسناد لهذه المعركة النضالية النوعية، من قبل جماهير شعبنا والقوى والأحزاب والجانب الرسمي، فالناشطات والفعاليات النخبوية والاستعراضية لن تثمر في مثل هذه المعارك، وأنا لا أريد أن أكون متشائماً ففي فاعلية سابقة جرت أثناء الإضراب المفتوح عن الطعام الذي خاضه الأسير المحرر بلال الكايد دعت لها لجنة القوى الوطنية والإسلامية في رام الله أمام سجن "عوفر" حضور وسائل الإعلام طغى على حضور ممثلي الفصائل وأعضائهم.
هذه معركة لكي تحسم سريعاً ولا يسقط فيها شهداء، بحاجة إلى أن يتجند فيها الجميع، بحيث تجري عملية الإسناد بخوض كل أشكال النضال المشروع، وعلى كل المستويات وبما يشمل المؤسسات الدولية والحقوقية والإنسانية، وكل أشكال النضال الشعبي السلمي، بحيث يجري توظيف وتفعيل كل الطاقات لخدمة هذه المعركة.
هذه المعركة، معركة الأسرى، معركة الجميع، ولا يجوز لنا شخصنتها أو ربطها بهذا القائد أو ذلك، أو أن تجير لخدمة أهداف ومصالح حزبية وفئوية ضيقة، فربما هذا يشكل أحد المخاطر التي قد تسهم في عدم تحقيق تلك الخطوة الأهداف المرجوة منها.
ولذلك من يريد المشاركة من الأسرى ومن لا يريد، عليه أن يعي تماماً، بأن أي فشل لهذه الخطوة الإستراتيجية، سيتتبعه هجمة احتلالية شاملة على الحركة الأسيرة، تعيد أوضاعها إلى مرحلة السبعينات، بحيث يجري تجريدها الكثير من منجزاتها ومكتسباتها التي عمد تحقيقها بالدم والتضحيات، ولذلك لا يحق لأي كان ومهما كانت الحجج والذرائع، أن يهدم ما تحقق في إطار الخلاف في الرؤيا أو الموقف.
ليضع الجميع خلافاته جانباً، وليجر رسم إستراتيجية جديدة، إستراتجية تعيد للحركة الأسيرة أيام عزتها وعنفوانها، إستراتيجية تتجاوز حالة الانقسام القائمة، وتشكل نموذجاً يجري نقله وتعميمه على الخارج، فإذا لم يتصالح ويتوحد من هم في خنادق النضال المتقدمة والمستهدفين جميعاً من قبل إدارات مصلحة السجون الإسرائيلية وأجهزتها المخابراتية والأمنية..؟؟ فكيف سيتوحد من نمت عندهم مصالح وامتيازات ومراكز بفعل الانقسام القائم..؟؟ لذلك أبناء الحركة الأسيرة، قفوا مع أنفسكم أولاً، وليس كما حصل في الإضرابات السابقة الفردية والفصائلية، حيث كان من يتصدر المشهد الفصيل الذي ينتمي إليه الأسرى المضربين، ولم يكن سوى حركة إسناد باهتة رسمياً وشعبياً، ولعل الإضرابات المتكررة فردية وفصائلية، هي شكلت عامل إرهاق للجماهير، ولم تحقق الالتفاف الشعبي المطلوب حولها، وبالتالي كانت تنتهي الإضرابات، عند حد إطلاق سراح الأسير بعد انتهاء فترة الاعتقال الإداري للمعتقل، دون تجديد الإداري له.
نحن نتفهم دوافع الإضرابات المفتوحة عن الطعام فردية وفصائلية، وما تحققه من إنجازات متواضعة، حيث أوضاع الحركة الأسيرة، هي انعكاس للواقع الفلسطيني خارج قلاع الأسر من ضعف وانقسام.
ولكن هذا الإضراب يجب أن يشكل حالة نضالية مميزة، من حيث حجم المشاركة فيها لمختلف مكونات الحركة الأسيرة الفصائلية، ويجب أن يشكل رافعة نضالية حقيقية، ليس فقط لتحقيق المطالب المرفوعة، بل يجب أن يكون "البروفة" نحو استعادة الحركة الأسيرة لوحدتها، بحيث تستعيد وحدة مؤسستها الاعتقالية وقيادتها الوطنية الموحدة، وأدواتها التنظيمية الوطنية الموحدة.