لا يمكن مواجهة الأمر الواقع الإسرائيلي إلا بالأمر الواقع الفلسطيني، ومثلما كانت الانتخابات البلدية في الضفة الغربية عام 1976 وسيلة مقاومة شعبية أحبطت مخططات الاحتلال، يمكن لانتخابات بلدية في القدس أن تكون وسيلة مقاومة وأن تعطي كذلك رونقا لانتخابات جرى تبهيتها كثيرا بالتأجيل المتكرر وبعدم شموليتها.
كتبت في الرابع عشر من أغسطس الماضي مقالا دعوت فيه إلى إجراء الانتخابات البلدية في القدس كسائر مدن الضفة الغربية، تأكيداً لمطلبنا بأن تكون القدس عاصمة لدولة فلسطين، وكوسيلة مقاومة شعبية فاعلة ضد الاحتلال.
وجرى تجاهل ذلك الاقتراح أثناء الإعداد لإجراء الانتخابات المحلية إلى أن قرر بعض المسؤولين أن من الأنسب لهم تأجيل إجراء الانتخابات المحلية التي كانت مقررة في التاسع من أكتوبر.
فاستخدموا عدم إجراء الانتخابات في القدس إلى جانب قضية المحاكم في قطاع غزة كذريعة لتعطيل أو تأجيل إجراء الانتخابات، وذلك ما تم فرضه بقرار قضائي مؤسف من المحاكم الفلسطينية.
الآن أعيد فتح ملف الانتخابات المحلية التي من المقرر أن تجري في الثالث عشر من مايو، أي بتأخير نصف عام من موعدها، ولكنها للأسف ستكون انتخابات بدون مشاركة قطاع غزة وحركة حماس والجبهة الشعبية التي قررت هذه المرة مقاطعتها.
السؤال الآن، لماذا لا تشمل الانتخابات التي ستجري في الضفة الغربية مدينة القدس، خصوصا أن الانتخابات الديمقراطية يمكن أن تكون وسيلة لفرض حقائق فلسطينية مضادة للحقائق الإسرائيلية على الأرض، وجعل هذه الانتخابات وسيلة كفاح ومقاومة في وجه الاستيطان والتهويد؟
وبما أن الاحتلال سيحاول جاهدا منع إجراء الانتخابات في القدس فمن الممكن التوافق على قائمة موحدة تضم كل القوى والاتجاهات وبحضور مؤثر للشخصيات الوطنية الديمقراطية، وتنتخب بالتوافق أو بأصوات كل من يستطيع المشاركة، وبذلك سيكون لأهل القدس العربية مجلس بلدي أو مجلس أمانة خاص بهم يسحب البساط من تحت أرجل المجلس البلدي الإسرائيلي الذي يدّعي تمثيل الفلسطينيين من سكانها رغم أنهم يقاطعون انتخابه.
وسيمثل انتخاب مجلس بلدي فلسطيني للقدس نجاحا كفاحيا، واختراقا لعملية التهويد والضم، يؤكد وحدة أراضي الدولة الفلسطينية المنشودة مع عاصمتها.
لا داعي لأن نذكر كيف استخدمنا الانتخابات الرئاسية التشريعية عام 2005 وعام 2006 كوسيلة مقاومة شعبية لفرض مشاركة المقدسيين، ومع أننا تعرضنا للاعتقال المرة تلو الأخرى ، فإن مشاركة أهل القدس الفعلية فرضت رغم أنف إجراءات الاحتلال.
يواجه المقدسيون الاحتلال ببسالة منقطعة النظير، ويدافعون عن حقوقهم بجرأة لا تنثني حتى للإعدامات الميدانية التي تمارس بحقهم، وهم بأمس الحاجة لدفع قضية القدس إلى مركز الاهتمام المحلي والدولي.
ولا يمكن مواجهة الأمر الواقع الإسرائيلي إلا بالأمر الواقع الفلسطيني، ومثلما كانت الانتخابات البلدية في الضفة الغربية عام 1976 وسيلة مقاومة شعبية أحبطت مخططات الاحتلال، يمكن لانتخابات بلدية في القدس أن تكون وسيلة مقاومة وأن تعطي كذلك رونقا لانتخابات جرى تبهيتها كثيرا بالتأجيل المتكرر وبعدم شموليتها.
تستطيع السلطة الفلسطينية اتخاذ قرار بأن تشمل الانتخابات مدينة القدس، وتستطيع لجنة الانتخابات المركزية أن تعد لإجرائها كما فعلت في الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
نأمل أن يحدث ذلك، وألا يستمر استثناء القدس وأهلها من حقهم في المشاركة في الانتخابات المحلية.