فلسطين المحتلة - قدس الإخبارية: يصادف اليوم الذكرى السنوية التاسعة والثلاثون لاستشهاد القائد والمقاتل وديع حداد أحد مؤسسي حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
ولد وديع حداد في مدينة صفد في العام 1927، وكانت عائلته تسكن مدينة حيفا بحكم وظيفة والده الذي وكان يعمل مدرساً للغة العربية في إحدى المدارس الثانوية في المدينة حيفا، وتلقي تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في المدينة.
وفي عام 1948، اضطر وديع للهجرة من وطنه بعد احتلال فلسطين واللجوء مع عائلته ووالده إلى مدينة بيروت حيث استقر بهم المآل هناك، وفي هذه الأثناء التحق وديع بمقاعد الدراسة في الجامعة الأميركية في لبنان ليدرس الطب.
ترعرع حداد على حب فلسطين وهو الذي عايش النكبة بكل تفاصيلها، فكان كل تفكيره منصب في كيفية الانخراط في العمل الوطني المقاوم، فكان من أوائل المبادرين لإطلاق مشاريع إغاثة اللاجئين الفلسطينيين الذين يصلون لبيروت، فانخرط في جمعية "العروة الوثقى" حيث تولى موقعا قياديا فيها، ولعبت الجمعية دورا سياسيا بعد انخراط ثلة من الشباب المتحمسين للعمل الوطني فيها.
تخرج حداد من الجامعة الأمريكية في بيروت طبيبا عاما، وسافر للأردن التقى هناك برفيقه القائد جورج حبش، الذي كان طبيبا هو الآخر، وافتتحا هما الاثنان "العيادة المجانية" في العاصمة عمان، إلى جانب عيادتيهما، معتبرين نشاطهما الأساسي والرئيسي النشاط الوطني والقومي وليس الطبي.
وخلال فترة وجودهما في عمان، قاما بإنشاء صفوف تدريس لمحو الأمية لكبار السن، كما استطاعا وعبر شبان أردنيين أعضاء في حركة "القوميين العرب" الوصول إلى نادي "المنتدى العربي" واعتباره أحد المنابر التي انطلق نشاط الحركة من خلاله.
بحسب ما ورد في تقرير صدر عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين يرصد محطات في حياة الشهيد وديع حداد فإن النظام الأردني لم يكن يعجبه ما يقوم به حداد وحبش، فنفذ حملة اعتقالات ضد أعضاء الحزب وقيادته، واعتقل حداد وأدخل سجن الجفر، ومكث فيه ثلاث سنوات، وبعد جهود مكثفة أفرجت السلطات الأردنية عنه، وخلال وجوده في المعتقل مثل وديع نموذجا وقدوة لكافة القوى، ولم ينس رسالته الإنسانية والجماهيرية، حيث قام وخلال سجنه بإغاثة وعلاج أبناء العشائر البدوية المقيمين في المنطقة بشكل تطوعي ومجاني.
سافر حداد بعد إطلاق سراحه إلى سوريا، والتحق بمقر الحركة في دمشق، وهناك وعلى ضوء العلاقة الجيدة بين الحركة وقيادة الجمهورية العربية المتحدة وجمال عبد الناصر، ونظراً لاندماجه في المواضيع العملية، انخرط في دورة عسكرية في دمشق وكان المسؤول الأول عن هذه الدورة، ولاحقاً أسندت له الحركة مسؤولية العمل الفلسطيني والذي كان حتى ذلك الوقت ممثلاً يرأس قيادة في إطار الحركة ولم يكن فرعاً متكاملاً.
وعلى ضوء عملية الانفصال التي حصلت بين مصر وسوريا، انتقل وديع إلى بيروت واستمر في تولي مسؤوليته القيادية للجانب الفلسطيني، وفي مرحلة لاحقة تولى مسؤولية العمل العسكري لكل فروع حركة القوميين العرب حيثما وجدت، حيث أسندت له مهمة الإعداد للعمل الفدائي فلسطينياً وعربياً (اليمن - ليبيا - وأقطار أخرى) وعلى المستوى الفلسطيني كان وديع من أكثر المتحمسين لبدء العمل المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي.
في عام 1967، منيت الجيوش العربية بنكسة تاريخية هزمت خلالها جميع تلك الجيوش، فزادت هذه الهزيمة من حماسه لممارسة العمل المسلح، فلمعت في رأسه فكرة إنشاء جبهة مقاومة فلسطينية كاملة تضم كل القوى المسلحة على الساحة الفلسطينية، ففتح حوارا مع حركة فتح وجبهة التحرير وطلائع حرب التحرير الشعبية/الصاعقة، وفشلت المحاولة بسبب موقف قيادة فتح من مسألة الجبهة الوطنية.
هذا الظرف زاد الشعور لدى حداد وقيادة حركة القوميين العرب أن النضال القومي قد غيّب الخاص الفلسطيني، واتجهت الجهود نحو تشكيل أداة فلسطينية تكون مهمتها النضال من أجل تحرير فلسطين، عبر تبنيها لأشكال نضال ووسائل كفاحية تتخطى وتتجاوز الأشكال والأساليب التي اتبعتها الأنظمة العربية الرسمية، والتي ثبت عجزها على مواجهة التوسع الإسرائيلي واسترداد فلسطين، وتم تشكيل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من شباب الثأر وأبطال العودة وجبهة التحرير الفلسطينية وعدد من الشخصيات والرموز الوطنية القومية.
ومنذ التأسيس تولى وديع حداد مهمات قيادية أساسية في الجبهة حيث أسندت له مهمتان رئيسيتان هما المالية والعمل العسكري الخارجي، وأثبت وديع من خلالهما قدرات قيادية وعملية جديرة بالاحترام والتقدير، حيث جسد شعار "وراء العدو في كل مكان" بطريقة فاعلة.
خلال عمله في التنظيم الخارجي قاد حداد خلايا تنشط في مختلف أنحاء العالم وكان وراء عمليات خطف الطائرات الشهيرة ومنها الطائرة "لاندسهوت" الألمانية، وترك وديع الجبهة الشعبية بعد الحملة عليه من قبل القيادي أحمد اليماني (أبو ماهر) و صلاح صلاح ووليد قدورة، والذى تبين فيما بعد أنه يعمل مع الموساد على حد قول هيلدا حبش زوجة الزعيم جورج حبش.
أدى هذا الأمر إلى خروج الشهيد وديع حداد من صفوف الجبهة الشعبية، إلا أن المؤتمر الوطني الخامس للجبهة أعاد الاعتبار التنظيمي له، باعتباره "رمزاً وطنياً وفلسطينياً فذاً قدم كل شيء في سبيل فلسطين التي حلم وعمل دائماً من أجل العودة إليها بأقرب الآجال وبأقصر الطرق".
الاستشهاد
في 28 مارس عام 1978 في ألمانيا الشرقية أشيع أن حداد توفي بمرض سرطان الدم، ولكن وبعد 28 عاما اعترف الاحتلال الإسرائيلي وعن طريق أحد ضباط مخابراتها الذي كتب جزءا من حياته الاستخبارية بأنه اغتالته بدس السم له في الشيكولاتة عن طريق عميل عراقي كان يشغل منصبا رفيع المستوى.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية نقلا عن المؤلف أن الاحتلال الإسرائيلي قرر تصفية حداد بداعي تدبيره اختطاف طائرة اير فرانس، والتي كانت في طريقها من باريس إلى تل أبيب، إلى مطار عنتيبي في أوغندا عام 1976، وأنه كان مسؤولاً عن سلسلة من العمليات الفدائية النوعية.
وأضاف الضابط، أن الموساد علم بشغف حداد بالشوكولاته البلجيكية التي كان من الصعب الحصول عليها آنذاك في بغداد مقر إقامته، فقام خبراء الموساد بإدخال مادة سامة بيولوجية تعمل ببطء إلى كمية من الشوكولاته البلجيكية، وأرسلوها إلى حداد بواسطة عميل عراقي رفيع المستوى لدى عودة هذا العميل من أوروبا إلى العراق.
وأشار المؤلف إلى أن عملية التصفية الجسدية هذه "كانت أول عملية تصفية بيولوجية" نفذتها "إسرائيل"، وأن سلطات الاحتلال اتهمت حداد الذي أطلقت عليه اسم "الإرهابي المتمرس ومتعدد المواهب" بأنه كان أول من خطف طائرة تابعة لشركة الطيران الإسرائيلية “ال- عال” عام 1968 وتم الإفراج عن الرهائن فقط بعد خضوع الحكومة الإسرائيلية لشرطه الإفراج عن أسرى فلسطينيين.
كما اتهمه الموساد بالمسؤولية عن إنشاء علاقات بين التنظيمات الفلسطينية ومنظمات عالمية ودعا أفرادها للتدرب في لبنان، وكانت إحدى نتائجها قيام "الجيش الأحمر الياباني" بمذبحة في مطار بنغوريون (تل أبيب) عام 1972.
ويتابع المؤلف أن اختطاف طائرة “إير فرانس” إلى عنتيبي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ قرر قادة الموساد وجهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلي على الفور تصفية حداد، وصادق رئيس الحكومة في حينه "مناحيم بيغن" على العملية.
وأشار الكاتب، الذي عنون كتابه بـ"حساب مفتوح"، إلى ولع حداد بالشوكولاته، خاصة البلجيكية، وان الموساد عرف كيف يستغل "ضعفه" هذا، واستعانت بعميل للموساد ليحمل معه من أوروبا شوكولاته بلجيكية، ولكن ليس قبل أن يدخل فيها عملاء موساد سمًا بيولوجيًا قاتلاً يظهر أثره بعد أسابيع من تناوله، ويؤدي إلى انهيار جهاز المناعة في الجسم.
وأضاف أنه بعد تصفية حداد سجل انخفاض حاد في عدد العمليات التي استهدفت الإسرائيليين في أنحاء العالم، وزاد أن الموساد رأى في عملية التصفية هذه تجسيدا لنظرية "التصفية الوقائية" أو تصفية قنبلة موقوتة تمثلت بـ"دماغ خلاّق لم يتوقف عن التخطيط للعملية المقبلة (حداد)".