شبكة قدس الإخبارية

رسالة بدماء الفقهاء

فارس الصرفندي

أحد الزملاء الصحفيين أرسل لي رسالة كنت ساعتها أتابع التلفاز يسألني عن مازن الفقهاء، من هو هذا الشاب؟، كان رد فعلي الأولي بالإجابة هل أضافوا له تهما جديدة؟ فاجأني الرد ..لا لقد قُتل في منزله في غزة، أدركت لثوان معدودة أن الخطب جلل وأن قضية الاغتيال ليست عادية، وكغيري من الصحفيين وحتى المتابعين انتقلت إلى مواكبة ما يصدر من غزة رسميا وغير رسمي لبناء رواية كاملة لما حدث، أما لماذا أجبت زميلي قبل أن أعرف سبب سؤاله فكان معرفتي المسبقة بأن الكثير من أصابع الاتهام الإسرائيلية موجهة إلى مازن الفقهاء، لاسيما فيما يتعلق بتشكيل خلايا قسامية في الضفة الغربية.

قيادة حماس لم تستيقظ من الكابوس إلا بعد أكثر من ساعتين حتى أن إعلامها المتمثل بفضائية الأقصى تعامل مع الحدث في اللحظات الأولى ولأكثر من نصف ساعة بشيء من التخبط عبر الإعلان عن مقتل مواطن في منطقة تل الهوى برصاص مجهولين ومن ثم الانتقال إلى تحقيقات الشرطة والبحث عن طرف خيط إلى أن جاء بيان الجهاز العسكري لحماس كتائب القسام جليا ليوضح أن الفقهاء اغتيل برصاص الغدر والخيانه وتحميل الاحتلال وعملائه مسؤولية استشهاده.

هنا توقف القيل والقال والحديث عن تصفية داخلية وبدأ الحديث عما هو أعمق من ذلك، ولماذا أقدم الاحتلال على هذه الخطوة الجريئة، عشرات التحليلات قرأتها واستمعت إليها بعد الاغتيال بساعتين وحتى اللحظة وغالبيتها صحيحة، تل ابيب أرادت إرسال رسالة للقسام ولحماس بأنها قادرة على الوصول إلى عمق القطاع، رسالة إلى القائد الجديد في قطاع غزة يحيى السنوار ووضعه أمام تحد حقيقي، كل ذلك صحيح وكل ذلك جزء من الواقع، لكن عملية الربط باغتيال مازن الفقهاء محرر صفقة الوفاء للاحرار وبين محاولة الاحتلال عبر الولايات المتحدة تحريك دعوى ضد أحلام التميمي محررة ذات الصفقة وإعلان ليبرمان أنه سيلاحق محرري الصفقة كما لاحقت "إسرائيل" الضباط النازيين في القرن الماضي يقودنا إلى أن الاحتلال بدأ بالفعل يستهدف هؤلاء قبل الولوج إلى صفقة جديدة منتظرة مع حماس بهدف إفراغ أي صفقة قادمة من مضمونها قبل أن تحدث.

فإذا كان مصير الأسرى المحررين إما الاغتيال وإما الاعتقال من جديد كما حدث لغالبية المحررين الذين أعيد اعتقالهم وأعيدت لهم الأحكام أو الملاحقة في أسقاع الأرض، فهذا يعني أن أية صفقة مع حماس مهما كان ثمنها لا تعني شيئا مادام الأمر تحسمه "إسرائيل" بيدها.

وقراءة أخرى لما حدث أن "إسرائيل" لم تسمح لمسؤولي حماس خاصة من المحررين العبث بأمن الضفة الغربية في وقت تؤكد كل المؤشرات أن الاحتلال يتجه إلى علاقة جديدة مع الضفة الغربية تقوم على تهميش السلطة الفلسطينية وضم أكثر من 60% من أراضي الفلسطينيين، وهذا يعني أن الأمن سيعود تدريجيا إلى يد جيش الاحتلال ومخابراته، وهذا يعني أن أي عمل عسكري في الضفة الغربية في المرحلة المقبله سيكون موجها بشكل مباشر إلى المنظومة الأمنية الإسرائيلية، ولأن الاحتلال يدرك بأن القرار بالعمل العسكري في حركة حماس لن يكون نابعا من الضفة لأن قيادات الضفة الغربية للحركة لم يغادروا السجون منذ عقود ومن غادرها منهم بات إما في الدوحة وإما في غزة.

الاحتلال أراد أن يرسل رسالة مباشرة لمحرري صفقة "شاليط" عبر أحد أنشطهم مازن الفقهاء أنكم إن فكرتم في التحرك ستطالكم أيدي أجهزتنا الأمنية، لكن ما أرادته "إسرائيل" من نتائج ليس قدرا أن يتحقق وفي كثير من الأحيان كانت النتائج تأتي بشكل عكسي والأمر يتعلق بقيادة حماس الأمنية في القطاع بأن لا تتوانى في كشف تفاصيل الاغتيال ومن يقف خلفه وأن ترسل رسائل سياسية واضحة المعالم لإسرائيل بأنها قادرة على ضبط المنظومة الأمنية والحفاظ على حياة قادتها وأن تمنع تكرار هذا المشهد الذي صعق الكل، بهذه الطريقة فقط يكون الاحتلال الإسرائيلي فشل في تمرير مخططه على الأرض.