ما الذي يفعله المسؤولون في فلسطين، أولئك الذين نكبهم الله بحكم بلد لا نفط فيها؟ إنهم يستثمرون الدم!
هنالك في فلسطين فئة تمهر في التسلّق على الدم، خيط الدم هذا هو طريقها في الوصول إلى الاتجاهات المعاكسة تماما لفلسطين، خذوا دم الشهيد أبو جهاد على سبيل المثال: هل تتذكرون كيف تم توظيف دم أبي جهاد في التسويق لانهيار المشاريع الكبرى؟ حين كنّا نناقش المدافعين عن مشروع أوسلو ونقول لهم إن ما يفعلونه خيانة، كانوا يتستّرون خلف دم الشهيد الوزير، ويقولون لنا هل تخوّنون أبي جهاد؟.
طيب، بعيدا عن المشاريع الكبرى، بالله عليكم، ألا يسوؤكم أن هؤلاء يبتذلون دم أبي جهاد في أمور شديدة التفه؟ تريدون مثالا؟ افتحوا يوتيوب على أي مهرجان انطلاقة، وانظروا إلى العريف الوطني وهو يستحلف المحتفلين في السكوت والنزول عن المنصّة. إن هؤلاء لا يكتفون في استخدام الدم لتسويق المشاريع، بل إنّهم ويستخدمون الدم في تنظيم الاحتفالات، والله هذا يحصل!.
هل تتذكرون صورة بيضاء وسوداء، تظهر فيها الشهيدة دلال المغربي وخيط دم رفيع يتسرب من زاوية فمها؟ لقد نزف الدم من زاوية الفم على الطريق الواصلة بين حيفا ويافا، ورسم طريقنا لأجيال، وها هم هؤلاء يريدون لنا أن نستبدل ذلك كلّه بدولة مؤسسات (متمثلة في خزانة صفيح ومكتب متهالك عليه منفضة سجائر وهراوة في واحدة من البلدات الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية).
يدرك المسؤول الفلسطيني بأن مهمته مرتبكة، فهو أمام المانحين ينبغي أن يكون ضابطا (ضابطا بمعنى قادرا على الضبط)، ومنضبطا أيضا وملتزما بـ "بروبوزال" أمني، أمّا أمام الناس، فهو مجبر على أن يتسلق على الخطاب الثوري الذي يستحضر أشد ما يستحضر أسماء الشهداء. إنه يفتتح خطبته بأسمائهم، ويستحضرهم في منتصف خطابه كأمثلة ساطعة، على ماذا؟ على صوابية حكم البلديات (الخزانة والمكتب والمنفضة، أتتذكرون؟) ودولة القانون.
يملأ المسؤول الأمني- التنظيمي الميكروفون ووجوه الجالسين أمامه في الصف الأول بصاقا، ولكي يستمعوا إلى عبقرية مشروعه الوطني، يجعر المسؤول الأمني إلى درجة يبح فيها صوته وهو يذكر أسماء الشهداء الكثر، وهو يبهدلنا لأننا أقل من الشهداء، وأقل من دولة مؤسساته، ونلبس الفيزون، وندخّن في الشوارع، ونلقي بأعقاب السجائر من الشباك، ونتحدث مع السائق (لا ينبغي إزعاج السائق أبدا، تذكروا ذلك، حتى ولو ناهز هذا السائق الثمانين ولم يعد قادرا حتى على قيادة شبشبه في غرفة النوم).
يجعر فينا هذا المسؤول الأمني لنصغي، ثم يذهب ليتحدث بصوت خفيض في مكاتب التنسيق الأمني مع الإسرائيليين، خطابان ونبرتان. حرفيا نبرتان، تحل الواحدة منهما محل الأخرى في حنجرة المسؤول، واحدة في باحة سجن أريحا على المساجين، أو في ساحة الاحتفاء بالانطلاقة، وأخرى داخل مكاتب الارتباط، وفي حضرة الملاحق العسكريين للقنصليات الأجنبية.
لنفترض مثلا أن أحد ممثلي الدول المانحة قد جعر هو الآخر في وجه ضابط أو مسؤول فلسطينيّ، فهل سيجرؤ المسؤول الفلسطيني على استحلافه بدماء الشهداء أن يخرس؟ غير منطقي، المنطقي هو أن يستحلفنا نحن بدماء الشهداء، ويقبض من الأوروبي وهو "خانس".
الآن، بالعودة إلى التسلق على الدم، إلى الاتجار بالدم، إلى استثماره: يتهم هؤلاء أصدقاء الشهيد باسل، المفجوعين به، والذين يدينون سياسة التنسيق الأمني التي ساهمت في قتل باسل والمئات غيره، يقول ذوي الرتب العالية، الذين يضعون على صدورهم كتلة من النياشين المربعة الملونة المبهجة، والتي تذكّر بعلبة كواليتي ستريت، ويتهمون من يطالبون بإنهاء سفك الدم بكونهم "يتاجرون بالدم"، لا لأن الدم مقدّس، بل لأنه قد ثبت بأن الدم في فلسطين، في مقام النفط في دول الريع النفطي، بإمكانه أن يتحول إلى دولارات، على هيئة مساعدات أجنبية وعربية، وهكذا يكتشف هؤلاء بئر الدم، الذي ينبغي أن يظل سائلا، بأية وسيلة: بالتنسيق الأمني، بحماية إسرائيل، بإرسال أبناء الفقراء ليشتبكوا بأبناء الفقراء في مخيم بلاطة وأزقة نابلس كما حدث بالأمس.
وهكذا، فإن تجارة الدم الرابحة هي شغل هؤلاء، ولا ينبغي منافستهم في الاتجار بالدم، يبحثون عمّا يتهموننا به، ويتهموننا نحن.. من ننزف، بأننا نتاجر بالدم!
عزيزي اللواء- شحطة- دعاية كواليتي ستريت: حضّروا حالكم للمفاجأة: نعم، نحن أصدقاء الشهيد نستثمر في الدم أيضا. (لا نستثمره كما تفعلون، بل نستثمر فيه) ونتاجر به: إنه تجارتنا الوحيدة الرابحة، أنتم تستثمرون دماء شهدائنا في صفقاتكم الرابحة أيضا، الصفقات التي تثمر شركات اتصالات، وعقود توريد اسمنت لبناء جدار الضم والتوسع، ومشاريع تطبيع، وعمولات وفنادق، وشتان بين التجارتين..
هذه هي الفكرة: أنتم غاضبون لأنكم تريدون الاستئثار بتجارة بالدماء وحدكم