لم يكن الشهيد باسل الأعرج بعيداً عما كتب ونظر إليه، باسل المثقف والمفكر والمُنظِّر والعميق كتب العديد من الأطروحات التي تجبرك روحها الثورية على أن تعود لتقرأ له في أفكاره ونظرياته كـ"الاختفاء" و"القتال الفردي" و"المقاومة الفطرية" و"مقاومة الاعتقال" و"ثقافة الاشتباك" وغيرها الكثير من الأفكار الثورية.
كل تلك الأفكار حاضرة الآن أمام الجميع، كيف لا والمثقف الحقيقي من تقترن أقواله بأفعاله فلا يقتصر على التنظير والكتابة والبحث بل يطبق ما يقول فكراً وممارسة، فلا تحيا الأفكار دون تضحية كل فكرة لا تقتات على الوقت والجهد فقط بل على الدماء أيضاً.
ليس غريباً أن نرى المثقف يتقدم الصفوف ويشتبك ويواجه الموت ويلاقي الحتوف، وليس باسل أولهم فثلة شهداء فلسطين هم المثقفين السبّاقين في العمل الفكري والثقافي فهذا نشأت الكرمي رئيس مجلس الطلبة في جامعة بوليتكنك فلسطين، والذي قاتل بنفسه وعمل بنظرية الذئاب المنفردة وخطَّ ذلك بعمله واستشهاده، وذلك الشهيد مصباح أبو صبيح الأول في حقل الدفاع عن القدس والذي أثبت للجميع أن الأمر ما هو إلا محض إرادة، أما الشهيد محمد الفقيه فله حكاية مختلفة فهو الذي غرس فكرة التحدي ومقاومة الاعتقال والاشتباك للرمق الأخير.
أما باسل فقد خط نهجاً جديداً وأسس لنظرية المثقف المقاوم، فكان بمقدوره أن يريح نفسه من عناء التخفي وضغط الأهل وتعب الاقتحام المتكرر لبيت عائلته وتخريبه ونصب الحياة الصعبة في المطاردة، ولكنه رفض أن يعطي المذلة للمحتل وأراد كما أراد أن يغرس في الجميع ثقافة مقاومة الاعتقال، وخط باسل قاعدة حُجة على كل مثقف " اذا بدك تصير مثقف لازم تصير مثقف وتشتبك واذا بدكش تشتبك فلا فائدة منك ولا من ثقافتك ".
ومن قواعد الاشتباك التي خطها الشهيد باسل "كن نيصاً وقاتل كالبرغوث" والتي وضعها بناءً على دراسته لحال الضفة ومقارنته لعمليات الشهداء السابقين "فلا أحد يعدم الوسيلة إن توفرت الرغبة، فعليك بداية أن تتعلم جيداً سلوكيات الطريدة ولا بدّ للصياد أن يتأقلم مع نمط حياة وسلوكيات طريدته ليستطيع اصطياده، ثم قاتل كالبرغوث الذي يعتمد على استراتيجية قتالية وتكتيك عالي وتقنيات مذهلة فهو يخز ويقفز ثم يعاود الوخز ويتجنب بذكاء شديد اليد أو القدم الساعية إلى سحقه، إنه لا يستهدف قتل خصمه بل انهاكه والحصول على غذائه منه، وازعاجه واثارته ومنعه من الراحة واتلاف أعصابه ومعنوياته".
تدق كلمات باسل الأخيرة في وصيته أعماق العقل، وهو يثير فينا عاصفة من التساؤلات ويدفعنا للبحث عن الاجابات التي عثر عليها هو، باسل جعل الجميع على مفترق طرق لا طريق آخر سواهما، إما أن تعيش لنفسك ولذاتك و تقتل الروح بداخلك وتنهي الإرادة والإصرار، واما أن تحيا باسلاً؛ فكن كباسل.