وحدك من علمت أن المثقف ليس طبقة اجتماعية، وليس لباسًا يرتديه أحدهم، أو حُليّ تتفاخر بها بين القوم، فقد آمنت أن الثقافة سلاحٌ يؤذي المثقفُ بها المحتل وزبانيته، وعليه أن يدفع ضريبة سلاحه، كالشهادة أو الاعتقال، ولكنك فضلت العلياء يا باسل واخترت الشهاده مقبلًا غير مدبر.
حملت سلاح المعرفة والثقافة في يدٍ، وحملت الرشاش في اليد الأخرى، رافعًا هامتك في زمنٍ عشقَ فيه التخاذل والخنوع، كنت وما زلت بكل ما فيك منارةً مضيئة، فها قد أشعلت في كل مثقفٍ شعلة، وأيقظتَ حسًّا كان الكثيرون يكذبون على ذواتهم ويضعونه جانبًا.
"بدك تكون مثقف لازم تكون مثقف مشبتك و ما بدك تكون مشتبك لا فيك ولا بثقافتك"، أن تسمع لباسل الأعرج أو تقرأ ولو سطرًا مما دوّنه، وأن تأخد لمحة عن مسيرة حياةٍ كانت تحفل بالرفض والتحدي، وأكملها بأبحاثه في تاريخ الثورة وجغرافيتها وهويتها، موقعًا في نهايةِ كل ما كتب بمدادِ الدمِ في السطر الاخير، ما هو إلّا اثباتٌ لفهمه بالشكل الصحيح لكل ما قرأه ودرسه ودونه.
لن يغيب الباسل فينا، وإن غاب جسدًا سيبقى ذلك الفكر المميز المشع، ويبقى النهجُ المميز الذي سيبقى صعبًا بل ومستحيلًا على من يعتقدون بأنَ الثقافة مجرد حليّ!
"الباسل" لم يكن فقط مميزًا بفكره ونهجه، بل إنه مزّق ما تبقى من ورقة الموت التي تغطي عيب السلطة ومثقفينها، فإن لم تنبع الثقافة من عمق واقع الشعب وأساس هويته التي غيبت، فلماذا تسمى ثقافة؟، وإن لم يعبر المثقف عن الشعب أو لم يكن جلّ نتاجه الثقافي يعزز ويثري الموروث الوطني المقاوم، فلماذا يسمى مثقف؟!.
إن الثقافة المنبعثة من صرافات البنوك وجيوب المانحين، ما هي إلا انبعاثات سميّة تلوث الفكرَ الفلسطيني وتمييع هويته بل وتفسد الشعب أيضا!، لذلك ولكل ما سبق كنت حرًا، و لم ترتبط بكل تفاهات الــ NGOs وترّاهات السلطة القائمة وأفكارها المتخاذلة!
ولطالما آمنتُ بمقولة إن "لكلٍ من اسمه نصيب"، وذلك أنت أيها البطل، حملت نصيب الأسد من اسمك فكنت باسلًا شجاعًا مقبلًا على الحق والشهادة، وعرجت إلى السماء بعد سيرة حافلةٍ بالفكر والثقافه والتميّز، ووقعتَ بمدادٍ من دماءٍ على رأس الصفحة.