شبكة قدس الإخبارية

حياة "مسافر يطا" المهددة بالفناء

ساري جرادات

الخليل - خاص قدس الإخبارية: جنوبي يطا أقصى جنوب الضفة الغربية المحتلة، تنبسط سهول وجبال قرى مسافر يطا وخربها، وتعيش في صراع البقاء والصمود ضد عشرات محاولات الاحتلال الرامية لطرد وتهجير سكانها، وتفرض عليهم واقعا معيشيا صعبا، ويشارك جيش الاحتلال قطعان المستوطنين تبادل الأدوار في التنكيل بحق سكان مناطق المسافر النائية.

وأصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عام 2012 قرارا يقضي بهدم خرب (مجاز، والتوانة، وصفى، والفخيت، والحلاوة، والمركز، وجنبا، وخروبة)، بحجة أنها مناطق إطلاق نار، وتخصيص أراضيها لتدريبات جيشها، ونتيجة لذلك أصبح سكان الخرب عرضة لخطر التهجير القسري، ومحرومون من أبسط مقومات الحياة، وممنوعين من تأسيس البنية التحتية.

ويعيش حوالي 1400 مواطن في 28 تجمعا سكانيا في مسافر يطا، داخل خيم وكهوف يتجاوز عمرها مئات السنين، بالإضافة لغرف بنيت حديثاً من الطوب، يتوعدها الاحتلال بالضم والمصادرة خدمة لأهدافه الاستيطانية التوسعية، وهدمت سلطات الاحتلال قبل ثلاث أعوام طابونا للخبز، بحجة انبعاث روائح كريهة منه على المستوطنين.

[caption id="attachment_112568" align="alignleft" width="400"] الاحتلال يستهدف المنطقة بالهدم والتشريد... عدسة: مصعب شاور[/caption]

النار ممنوعة

وقال عضو مجلس قروي التوانة سليمان العدرة لمراسلنا إن مواطني خربة التوانة والبالغ عددهم 300 مواطن عرضة لنزلات البرد بسبب برد الشتاء القارص، ويخشى الأهالي مداهمة جيش الاحتلال لكهوفهم في حال إشعالهم النيران بحجج وذرائع أمنية، مما يتسبب بالأذى النفسي والترويع لأطفالهم.

ولفت العدرة في حديث لـ"قدس الإخبارية" إلى قيام المستوطنين برش مواد سامة على المزروعات، وعدم جدوى ردعهم عبر تقديم شكاوي ضدهم عبر ما يسمى "محكمة العدل العليا الإسرائيلية"، وأشار إلى قلة الدعم الحكومي لهم، وإلى غلاء أسعار صهاريج المياه، لري المحاصيل الزراعية في حال انخفاض كمية الأمطار الموسمية.

ويتعرض أهالي مسافر يطا لانعدام الأمن الغذائي بسبب منع سلطات الاحتلال الزراعة في كافة أراضيهم، واعتراض مواشيهم في الوصول لمراعيها أو تسريحها في الجبال للرعي، حيث يعتمدون في غذائهم بالدرجة الأولى على منتجات المواشي، وخصوصا الخراف والأبقار من أجبان وألبان ومشتقاتها.

الحاجة فاطمة الهدار (87 عاماً) تعرضت عام 1970 لتهجير قسري، من خربة سوسيا إلى خربة جنبا ليستقر بها الزمن اليوم في خربة التوانة، تقول لـ"قدس الإخبارية": "الحياة في المسافر أفضل من العيش في القصور، إنها أرضنا ويتوجب علينا البقاء فيها، لا أن نتركها لقطعان المستوطنين".

[caption id="attachment_112569" align="alignleft" width="400"] حياة أهالي المسافر تتميز بالبساطة ولا يزال أهالي المنطقة صامدون في أرضهم... عدسة: مصعب شاور[/caption]

حياة الكهوف

وتتمثل حياة البساطة والكرم العربي الأصيل والعادات والتقاليد الأقرب للحياة البدوية التي ورثها الأبناء عن الأجداد هنا، حيث يختفي التكلف وتكاد تنعدم التكنولوجيا، ويعتمدون في أكلهم على أطعمة من إنتاج أرضهم ومحاصيلهم ومواشيهم، ويتميزون بالترابط والتعاضد الاجتماعي والانتماء للأرض، رغم أطماع الاحتلال ومستوطنيه الكثيرة فيها.

وقال رئيس بلدية يطا راتب هديب لـ"قدس الإخبارية": "صمود أهالي المسافر يقابله تهميش الحكومة الفلسطينية لهم، فيتوجب على الحكومة لإبقائهم شوكة في حلق الاحتلال ومستوطنيه وتثبيتهم في أرضهم، توفير كافة مستلزمات الحياة لهم، حتى يستمروا في معركتهم مع الاحتلال الذي ينفذ مخططاته الرامية لطردهم من بيوتهم وأراضهم".

وطالب هديب الحكومة الفلسطينية بتوفير كافة مستلزمات الصمود للتجمعات السكانية لأهالي المسافر لمنع تنفيذ أوامر هدم أو إخلاء بحقهم، ولفت إلى أن الدعم يكون عبر إحياء تلك المناطق بالزيارات وإقامة المشاريع الحكومية فيها، وإرغام الاحتلال على السماح للأهالي بالزراعة والبناء في أراضيهم، وتوفير الأعلاف لهم بأسعار رمزية.

وأشار هديب إلى أن سكان المسافر يعيشون ظروفا صعبة للغاية في ظل المنخفض الجوي الذي يضرب الأراضي الفلسطينية، حيث تتمزق الخيام وتطير الشوادر نتيجة سرعة الرياح، كما تعمل قوات الاحتلال على مضاعفة تدريبات سلاح طيرانها بتحليق منخفض لطائراتها فوق خيام المواطنين مما يلحق الأذى بالخيام وهدم أجزاء منها.

ولفت هديب إلى ازدياد معاناة المواطنين في فصل الشتاء بسبب تعمد المستوطنين وجيش الاحتلال منع المواطنين من استعمال وسائل التدفئة، حيث تم تسجيل عشرات الحالات منذ بداية العام الحالي لمحاولات المستوطنين منع الأهالي من إشعال النيران بحجج وذرائع أمنية.

[caption id="attachment_112571" align="alignleft" width="400"] الاحتلال يستكثر على سكان المنطقة حياة الكهوف.. عدسة: مصعب شاور[/caption]

اقتحامات وتخريب وهدم

ويعتمد أهالي المسافر على مياه الأمطار وآبار الجمع في ري وسقي مزروعاتهم ومواشيهم، ولا يوجد شبكات مياه أو كهرباء، وقامت قوات الاحتلال بتخريب ست خلايا شمسية بنتها مؤسسات دولية وأوروبية لهم، ويمنع الاحتلال سكان المسافر من البناء، أو إجراء عمليات صيانة لمساكنهم، مما يضاعف آلامهم في فصل الشتاء.

وأشار منسق اللجان الشعبية والوطنية لمقاومة الجدار والاستيطان في جنوب الضفة الغربية راتب الجبور إلى اتباع سلطات الاحتلال سياسة الإخطار وهدم الآبار والخيام ومصادرة السيارات والجرارات الزراعية ومنع وصول الأطفال لمدارسهم لإجبارهم على الرحيل خدمة لمشروعهم الاستيطاني.

وقال لـ"قدس الاخبارية": "يعمد جيش الاحتلال إلى ترويع الأطفال والأهالي خلال ساعات الليل المتأخرة، جراء اقتحامه كهوفهم وخيامهم، وإلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت بحجة البحث عن أشياء أمنية، ويهدف الاحتلال من خلال ممارساته هذه لإجبار سكان المسافر على الرحيل عن أرضهم التي يقيمون فيها منذ مئات السنين".